الموافقات (صفحة 708)

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ:

الْمَصَالِحُ الْمَثْبُوتَةُ فِي هَذِهِ الدَّارِ يُنْظَرُ فِيهَا مِنْ جِهَتَيْنِ:

- مِنْ جِهَةِ مَوَاقِعِ الْوُجُودِ.

- وَمِنْ جِهَةِ تَعَلُّقِ الْخِطَابِ الشَّرْعِيِّ بِهَا.

فَأَمَّا النَّظَرُ الْأَوَّلُ، فَإِنَّ الْمَصَالِحَ الدُّنْيَوِيَّةَ -مِنْ حَيْثُ هِيَ مَوْجُودَةٌ هُنَا- لَا يَتَخَلَّصُ كَوْنُهَا مَصَالِحَ مَحْضَةً، وَأَعْنِي بِالْمَصَالِحِ1 مَا يَرْجِعُ إِلَى قِيَامِ حَيَاةِ الْإِنْسَانِ وَتَمَامِ عَيْشِهِ، وَنَيْلِهِ مَا تَقْتَضِيهِ أَوْصَافُهُ الشَّهْوَانِيَّةُ وَالْعَقْلِيَّةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، حَتَّى يَكُونَ مُنَعَّمًا عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَهَذَا فِي مُجَرَّدِ الِاعْتِيَادِ لَا يَكُونُ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْمَصَالِحَ مَشُوبَةٌ بِتَكَالِيفَ وَمَشَاقَّ، قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ، تَقْتَرِنُ بِهَا أَوْ تَسْبِقُهَا أَوْ تَلْحَقُهَا، كَالْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ، وَاللِّبْسِ، وَالسُّكْنَى، وَالرُّكُوبِ، وَالنِّكَاحِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ2، فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا تُنَالُ إِلَّا بِكَدٍّ وَتَعَبٍ.

كَمَا أَنَّ الْمَفَاسِدَ الدُّنْيَوِيَّةَ لَيْسَتْ بِمَفَاسِدَ مَحْضَةٍ مِنْ حَيْثُ مَوَاقِعِ الْوُجُودِ، إِذْ مَا مِنْ مَفْسَدَةٍ تُفْرَضُ فِي الْعَادَةِ الْجَارِيَةِ إِلَّا وَيَقْتَرِنُ بِهَا أَوْ يَسْبِقُهَا أَوْ يَتْبَعُهَا مِنَ الرِّفْقِ وَاللُّطْفِ وَنَيْلِ اللَّذَّاتِ كَثِيرٌ، وَيَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ مَا هُوَ الْأَصْلُ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ وُضِعَتْ عَلَى الِامْتِزَاجِ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ وَالِاخْتِلَاطِ بَيْنَ الْقَبِيلَيْنِ، فَمَنْ رَامَ اسْتِخْلَاصَ جِهَةٍ فِيهَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ3، وَبُرْهَانُهُ التَّجْرِبَةُ التَّامَّةُ مِنْ جَمِيعِ الْخَلَائِقِ، وَأَصْلُ ذَلِكَ الْإِخْبَارُ بِوَضْعِهَا عَلَى الِابْتِلَاءِ والاختبار والتمحيص،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015