الموافقات (صفحة 696)

بيان الأول:

أن مصالح الدين مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْأُمُورِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ، فَإِذَا اعْتُبِرَ قِيَامُ هَذَا الْوُجُودِ الدُّنْيَوِيِّ مَبْنِيًّا عَلَيْهَا، حَتَّى إِذَا انْخَرَمَتْ لَمْ يَبْقَ لِلدُّنْيَا وُجُودٌ- أَعْنِي: مَا هُوَ خَاصٌّ بِالْمُكَلَّفِينَ وَالتَّكْلِيفِ-، وَكَذَلِكَ الْأُمُورُ الْأُخْرَوِيَّةُ لَا قِيَامَ لَهَا إِلَّا بِذَلِكَ.

فَلَوْ عُدِمَ الدينُ عُدِمَ ترتُّبُ الْجَزَاءِ الْمُرْتَجَى، وَلَوْ عُدِمَ المكَلَّف1 لعُدِمَ مَنْ يَتَديَّن، وَلَوْ عَدِم الْعَقْلُ لَارْتَفَعَ التديُّن، وَلَوْ عُدِمَ النسلُ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَادَةِ بَقَاءٌ، وَلَوْ عُدِمَ المالُ لَمْ يبقَ عيشٌ- وأعني بالمال ما يقع عليه الملك ويستبد بِهِ الْمَالِكُ عَنْ غَيْرِهِ إِذَا أَخَذَهُ مِنْ وَجْهِهِ2، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَاللِّبَاسُ عَلَى اخْتِلَافِهَا، وَمَا يُؤَدِّي إِلَيْهَا مِنْ جَمِيعِ الْمُتَمَوِّلَاتِ، فَلَوِ ارْتَفَعَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بَقَاءٌ، وَهَذَا كُلُّهُ مَعْلُومٌ لَا يَرْتَابُ فِيهِ مَنْ عَرَفَ تَرْتِيبَ أَحْوَالِ الدُّنْيَا، وَأَنَّهَا زَادٌ لِلْآخِرَةِ.

وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَالْأُمُورُ الْحَاجِيَّةُ إِنَّمَا هِيَ حَائِمَةٌ حَوْلَ هَذَا الْحِمَى، إِذْ هِيَ تَتَرَدَّدُ عَلَى الضَّرُورِيَّاتِ، تُكْمِلُهَا بِحَيْثُ تَرْتَفِعُ فِي الْقِيَامِ بها واكتسابها المشتقات، وَتَمِيلُ بِهِمْ فِيهَا إِلَى التَّوَسُّطِ وَالِاعْتِدَالِ فِي الْأُمُورِ، حَتَّى تَكُونَ جَارِيَةً عَلَى وَجْهٍ لَا يَمِيلُ إِلَى إِفْرَاطٍ وَلَا تَفْرِيطٍ.

وَذَلِكَ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ فِي اشْتِرَاطِ عَدَمِ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ فِي الْبُيُوعِ، وَكَمَا نَقُولُ فِي رَفْعِ الْحَرَجِ عَنِ الْمُكَلَّفِ بِسَبَبِ الْمَرَضِ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ الصلاة قاعدا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015