الموافقات (صفحة 593)

وَالسَّادِسُ:

إِنَّ مَرَاسِمَ الشَّرِيعَةِ مُضَادَّةٌ لِلْهَوَى مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ كَمَا تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ الْمَقَاصِدِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَكَثِيرًا مَا تَدْخُلُ الْمَشَقَّاتُ وَتَتَزَايَدُ مِنْ جِهَةِ مُخَالِفَةِ الْهَوَى، وَاتِّبَاعُ الْهَوَى ضِدُّ اتِّبَاعِ الشَّرِيعَةِ؛ فَالْمُتَّبِعُ لِهَوَاهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي نَفْسِهِ شَاقًّا أَمْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهُ يَصُدُّهُ عَنْ مُرَادِهِ، وَيَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَقْصُودِهِ، فَإِذَا كَانَ الْمُكَلَّفُ قَدْ أَلْقَى هَوَاهُ وَنَهَى نَفْسَهُ عَنْهُ، وَتَوَجَّهَ إِلَى الْعَمَلِ بِمَا كُلِّفَ بِهِ؛ خَفَّ عَلَيْهِ، وَلَا يَزَالُ بِحُكْمِ الِاعْتِيَادِ يُدَاخِلُهُ حُبُّهُ، وَيَحْلُو لَهُ مُرُّهُ، حَتَّى يَصِيرَ ضِدَّهُ ثَقِيلًا عَلَيْهِ، بعدما كَانَ الْأَمْرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ؛ فَصَارَتِ الْمَشَقَّةُ وَعَدَمُهَا إِضَافِيَّةً تَابِعَةً لِغَرَضِ الْمُكَلَّفِ؛ فَرُبَّ صَعْبٍ يَسْهُلُ لِمُوَافِقَةِ الْغَرَضِ، وَسَهْلٍ يَصْعُبُ لِمُخَالَفَتِهِ.

فَالشَّاقُّ عَلَى الإطلاق في هذا المقام إنما هو1 مَا لَا يُطِيقُهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُكَلَّفٌ2؛ كَانَ مُطِيقًا لَهُ بِحُكْمِ الْبَشَرِيَّةِ، أَمْ لَا، هَذَا لَا كَلَامَ فِيهِ, إِنَّمَا الْكَلَامُ فِي غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ إِضَافِيٌّ، لَا يُقَالُ فِيهِ: [إِنَّهُ] 3 مَشَقَّةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلَا إِنَّهُ لَيْسَ بِمَشَقَّةٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَإِذَا كَانَ دَائِرًا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَأَصْلُ الْعَزِيمَةِ حَقِيقِيٌّ ثَابِتٌ؛ فَالرُّجُوعُ إِلَى أَصْلِ الْعَزِيمَةِ حَقٌّ، وَالرُّجُوعُ إِلَى الرُّخْصَةِ يُنْظَرُ فِيهِ بِحَسَبِ كُلِّ شَخْصٍ، وَبِحَسَبِ كُلِّ عَارِضٍ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ بَيَانٌ قَطْعِيٌّ، وَكَانَ أَعْلَى ذَلِكَ الظَّنَّ الَّذِي لَا يَخْلُو عَنْ مَعَارِضَ؛ كَانَ الْوَجْهُ الرُّجُوعَ إِلَى الْأَصْلِ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015