الموافقات (صفحة 590)

التَّكَالِيفِ وَاقِعٌ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ بَقَاءِ أَصْلِ الْعَزِيمَةِ؛ فَيُبْتَلَى الْمَرْءُ عَلَى قَدْرِ دِينِهِ، قَالَ تَعَالَى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الْمُلْكِ: 2] .

{الم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} الْآيَةَ [الْعَنْكَبُوتِ: 1-3] .

{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} ثُمَّ قَالَ: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آلِ عِمْرَانَ: 186] .

{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [مُحَمَّدٍ: 31] .

{وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آلِ عِمْرَانَ: 141] .

{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [الْبَقَرَةِ: 155] إِلَى آخِرِهَا.

فَأَثْنَى عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ صَبَرُوا لَهَا، وَلَمْ يَخْرُجُوا بِهَا عَنْ أَصْلِ مَا حملوه إلى غيره، وقوله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ} [البقرة: 155] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْبَلْوَى قَلِيلَةُ الْوُقُوعِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جُمْهُورِ الْأَحْوَالِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَحْوَالِ التَّكْلِيفِ، فَإِذَا كَانَ الْمَعْلُومُ مِنَ الشَّرْعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ طَلَبَ الِاصْطِبَارَ عَلَيْهَا، وَالتَّثَبُّتَ فِيهَا، حَتَّى يَجْرِيَ التَّكْلِيفُ عَلَى مَجْرَاهُ الْأَصْلِيِّ؛ كَانَ التَّرَخُّصُ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَالْمُضَادِّ لِمَا قَصَدَهُ الشَّارِعُ مِنْ تَكْمِيلِ الْعَمَلِ عَلَى أَصَالَتِهِ لِتَكْمِيلِ الْأَجْرِ.

وَالْخَامِسُ:

أَنَّ التَّرَخُّصَ إِذَا أُخِذَ بِهِ فِي مَوَارِدِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ كَانَ ذَرِيعَةً إِلَى انْحِلَالِ عَزَائِمِ الْمُكَلَّفِينَ فِي التَّعَبُّدِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَإِذَا أَخَذَ بِالْعَزِيمَةِ؛ كَانَ حَرِيًّا1 بِالثَّبَاتِ في التعبد والأخذ بالحزم فيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015