أُسَامَةَ أَنْ يَتْرُكَ لَهُ عُمَرَ؛ فَفَعَلَ، وَخَرَجَ فبلغ الشام ونكى1 فِي الْعَدُوِّ بِهَا؛ فَقَالَتِ الرُّومُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَضْعُفُوا بِمَوْتِ نَبِيِّهِمْ، وَصَارَتْ تِلْكَ الْحَالَةُ هَيْبَةً فِي قُلُوبِهِمْ لَهُمْ2.
وَأَمْثَالُ هَذَا كَثِيرَةٌ مِمَّا يَقْتَضِي الْوُقُوفَ مَعَ الْعَزَائِمِ وَتَرْكَ التَّرَخُّصِ؛ لِأَنَّ الْقَوْمَ عَرَفُوا أَنَّهُمْ مُبْتَلَوْنَ، وَهُوَ:
الْوَجْهُ الرَّابِعُ:
وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْعَوَارِضَ الطَّارِئَةَ وَأَشْبَاهَهَا مِمَّا يَقَعُ لِلْمُكَلَّفِينَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَشَاقِّ؛ هِيَ مِمَّا يَقْصِدُهَا الشَّارِعُ3 فِي أَصْلِ التَّشْرِيعِ، أَعْنِي أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي التَّشْرِيعِ إِنَّمَا هُوَ جارٍ عَلَى تَوَسُّطِ مَجَارِي الْعَادَاتِ، وَكَوْنُهُ شَاقًّا عَلَى بَعْضِ النَّاسِ أَوْ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ مِمَّا هُوَ عَلَى غَيْرِ الْمُعْتَادِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا لَهُ؛ لِأَنَّ الْأُمُورَ الْجُزْئِيَّةَ لَا تَخْرِمُ الْأُصُولَ الْكُلِّيَّةَ، وَإِنَّمَا تُسْتَثْنَى حَيْثُ تُسْتَثْنَى نَظَرًا إِلَى أَصْلِ الْحَاجِيَّاتِ بِحَسَبِ الِاجْتِهَادِ، وَالْبَقَاءُ عَلَى الْأَصْلِ مِنَ الْعَزِيمَةِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ لِلْمُجْتَهِدِ، وَالْخُرُوجُ عَنْهُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِسَبَبٍ قَوِيٍّ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُعْمِلِ الْعُلَمَاءُ مُقْتَضَى الرُّخْصَةِ الْخَاصَّةِ بِالسَّفَرِ فِي غَيْرِهِ؛ كَالصَّنَائِعِ الشَّاقَّةِ فِي الْحَضَرِ، مَعَ وُجُودِ الْمَشَقَّةِ الَّتِي هِيَ الْعِلَّةُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الرُّخْصَةِ، فَإِذًا؛ لَا يَنْبَغِي الْخُرُوجُ عَنْ حُكْمِ الْعَزِيمَةِ مَعَ عَوَارِضِ الْمَشَقَّاتِ الَّتِي لَا تَطَّرِدُ وَلَا تَدُومُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جارٍ أَيْضًا فِي الْعَوَائِدِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَلَمْ يُخْرِجْهَا ذَلِكَ عَنْ أَنْ تَكُونَ عَادِيَّةً؛ فَصَارَ عَارِضُ الْمَشَقَّةِ -إِذَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا أَوْ دَائِمًا- مَعَ أَصْلِ عَدَمِ الْمَشَقَّةِ، كَالْأَمْرِ الْمُعْتَادِ أَيْضًا؛ فَلَا يخرج عن ذلك الأصل.