الْمَذْكُورَةِ وَسِوَاهَا.
وَأَمَّا الْإِبَاحَةُ الَّتِي بِمَعْنَى التَّخْيِيرِ؛ فَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [الْبَقَرَةِ: 223] ، يُرِيدُ: كَيْفَ شِئْتُمْ: مُقْبِلَةً، وَمُدْبِرَةً، وَعَلَى جَنْبٍ؛ فَهَذَا تَخْيِيرٌ وَاضِحٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا} [الْبَقَرَةِ: 35] ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قِسْمِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ فَرْقُ مَا بَيْنَ الْمُبَاحَيْنِ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا الَّذِي يَنْبَنِي عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا؟
قِيلَ: يَنْبَنِي عَلَيْهِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ، وَلَكِنَّ العارض في مسألتنا أنا إن قلنا: [إن] 1 الرُّخْصَةُ مُخَيَّرٌ فِيهَا حَقِيقَةً؛ لَزِمَ أَنْ تَكُونَ مَعَ مُقْتَضَى الْعَزِيمَةِ مِنَ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِذَا قُلْنَا: إِنَّهَا مُبَاحَةٌ بِمَعْنَى رَفْعِ الْحَرَجِ عَنْ فَاعِلِهَا؛ إِذْ رَفْعُ الْحَرَجِ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّخْيِيرَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ مَوْجُودٌ مَعَ الْوَاجِبِ؟ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ؛ تَبَيَّنَّا أَنَّ الْعَزِيمَةَ عَلَى أَصْلِهَا مِنَ الْوُجُوبِ الْمُعَيَّنِ الْمَقْصُودِ شَرْعًا، فَإِذَا عَمِلَ بِهَا؛ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فِي الْعَمَلِ بِهَا فَرْقٌ، لَكِنَّ الْعُذْرَ رَفَعَ التَّأْثِيمَ عَنِ الْمُنْتَقِلِ عَنْهَا إِنِ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ الِانْتِقَالَ، وَسَيَأْتِي لِهَذَا بَسْطٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ:
التَّرَخُّصُ الْمَشْرُوعُ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا:
أَنْ يَكُونَ فِي مُقَابَلَةِ مَشَقَّةٍ لَا صَبْرَ عَلَيْهَا طَبْعًا؛ كَالْمَرَضِ الَّذِي يَعْجِزُ مَعَهُ عَنِ اسْتِيفَاءِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ عَلَى وَجْهِهَا مثلا، أو عن الصوم لفوت