الموافقات (صفحة 561)

وَالْمَنْدُوبُ كَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ مُطْلَقُ الْأَمْرِ؛ وَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِي الْمَنْدُوبَاتِ: إِنَّهَا شُرِعَتْ لِلتَّخْفِيفِ وَالتَّسْهِيلِ، مِنْ حَيْثُ هِيَ مَأْمُورٌ بِهَا، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ؛ ثَبَتَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالرُّخْصَةِ جَمْعٌ بَيْنَ مُتَنَافِيَيْنِ، وَذَلِكَ يُبَيِّنُ أَنَّ الرُّخْصَةَ لَا تَكُونُ مَأْمُورًا بِهَا مِنْ حَيْثُ هِيَ رُخْصَةٌ.

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُعْتَرَضٌ؛ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا:

إِنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَدِلَّةِ لَا يَدُلُّ عَلَى مَقْصُودِ الْمَسْأَلَةِ؛ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ رَفْعِ الْجُنَاحِ وَالْإِثْمِ عَنِ الْفَاعِلِ لِلشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مُبَاحًا، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا، أَمَّا أَوَّلًا؛ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [الْبَقَرَةِ: 158] ، وَهُمَا مِمَّا يَجِبُ الطَّوَافُ بَيْنَهُمَا، وقال تعالى: {وَمَنْ تَأَ خَّرَ 1 فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [الْبَقَرَةِ: 203] ، وَالتَّأَخُّرُ مَطْلُوبٌ طَلَبَ النَّدْبِ، وَصَاحِبُهُ أَفْضَلُ عَمَلًا مِنَ الْمُتَعَجِّلِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي فِي هَذَا الْمَعْنَى.

وَلَا يُقَالُ: إِنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ نَزَلَتْ عَلَى أَسْبَابٍ حَيْثُ تَوَهَّمُوا الْجُنَاحَ، كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ2؛ لِأَنَّا نَقُولُ: مواضع الإباحة أيضا نزلت على أسباب،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015