وَيُمْكِنُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِ مَعْنَى1 الْحَدِيثِ الْآخَرِ: "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ" 2، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ3؛ فَكَانَ مَا جَاءَ فِي هَذِهِ الْمِلَّةِ السَّمْحَةِ مِنَ الْمُسَامَحَةِ وَاللِّينِ رُخْصَةً، بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا حَمَلَتْهُ4 الْأُمَمُ السَّالِفَةُ مِنَ الْعَزَائِمِ الشَّاقَّةِ.
فَصْلٌ:
وَتُطْلَقُ الرُّخْصَةُ أَيْضًا عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْمَشْرُوعَاتِ تَوْسِعَةً عَلَى الْعِبَادِ مُطْلَقًا5، مِمَّا هُوَ رَاجِعٌ إِلَى نَيْلِ حُظُوظِهِمْ وَقَضَاءِ أَوْطَارِهِمْ؛ فَإِنَّ الْعَزِيمَةَ الْأُولَى هِيَ الَّتِي نَبَّهَ عَلَيْهَا قَوْلُهُ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونَ} [الذَّارِيَاتِ: 56] .
وَقَوْلُهُ: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا} الْآيَةَ [طه: 132] .
وما كان نحو ذلك مما دَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِبَادَ مِلْكُ اللَّهِ6 عَلَى الْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيلِ؛ فَحَقٌّ عَلَيْهِمُ التَّوَجُّهُ إِلَيْهِ، وَبَذْلُ الْمَجْهُودِ فِي عِبَادَتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ عِبَادُهُ وَلَيْسَ لَهُمْ حَقٌّ لَدَيْهِ، وَلَا حُجَّةٌ عَلَيْهِ، فَإِذَا وَهَبَ لَهُمْ حَظًّا يَنَالُونَهُ؛ فَذَلِكَ كَالرُّخْصَةِ لَهُمْ لِأَنَّهُ تَوَجُّهٌ إِلَى غَيْرِ الْمَعْبُودِ، وَاعْتِنَاءٌ بِغَيْرِ مَا اقْتَضَتْهُ الْعُبُودِيَّةُ.
فَالْعَزِيمَةُ فِي هَذَا الْوَجْهِ هُوَ امْتِثَالُ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابُ النَّوَاهِي عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْعُمُومِ، كَانَتِ الْأَوَامِرُ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا، وَالنَّوَاهِي كَرَاهَةً أو تحريا، وترك7 كل