الموافقات (صفحة 542)

المسألة الثالثة:

مَا ذُكِرَ مِنْ إِطْلَاقِ الْبُطْلَانِ بِالْمَعْنَى الثَّانِي يَحْتَمِلُ تَقْسِيمًا، لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْفِعْلِ الْعَادِيِّ؛ إِذْ لَا يَخْلُو الْفِعْلُ الْعَادِيُّ -إِذَا خَلَا عَنْ قَصْدِ التَّعَبُّدِ- أَنْ يُفْعَلَ بِقَصْدٍ أَوْ بِغَيْرِ قَصْدٍ، وَالْمَفْعُولُ بِقَصْدٍ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ مُجَرَّدَ الْهَوَى وَالشَّهْوَةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي مُوَافَقَةِ قَصْدِ الشَّارِعِ أَوْ مُخَالَفَتِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَنْظُرَ مَعَ ذَلِكَ فِي الْمُوَافَقَةِ فَيَفْعَلَ، أَوْ فِي الْمُخَالَفَةِ فَيَتْرُكَ؛ إِمَّا اخْتِيَارًا، وَإِمَّا اضطرار؛ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا:

أَنْ يُفْعَلَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ؛ كَالْغَافِلِ وَالنَّائِمِ؛ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ خِطَابُ اقْتِضَاءٍ وَلَا تَخْيِيرٍ، فَلَيْسَ فِيهِ ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ فِي الْآخِرَةِ إِنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْأَعْمَالِ الدَّاخِلَةِ تَحْتَ التَّكْلِيفِ، فَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ خِطَابُ تَكْلِيفٍ؛ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ثَمَرَتُهُ.

وَالثَّانِي:

أَنْ يُفْعَلَ لِقَصْدِ نَيْلِ غَرَضِهِ مُجَرَّدًا؛ فَهَذَا أَيْضًا لَا ثَوَابَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ, كَالْأَوَّلِ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ خِطَابُ التَّكْلِيفِ أَوْ وَقَعَ وَاجِبًا؛ كَأَدَاءِ الدُّيُونِ، وَرَدِّ الْوَدَائِعِ وَالْأَمَانَاتِ، وَالْإِنْفَاقِ عَلَى الْأَوْلَادِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا تَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ بِحُكْمِ الطَّبْعِ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْحَدِيثِ: "فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا؛ فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هاجر إليه" 1، ومعنى الحديث

طور بواسطة نورين ميديا © 2015