الموافقات (صفحة 482)

وَذَلِكَ بِحُكْمِ التَّبَعِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا مِنَ الْأَقْوَالِ الْمَرْجُوحَةِ؛ فَلَا يَخْلُو مِنْ وَجْهٍ مِنَ النظر.

ومما يدل على أن يحل الْيَمِينِ إِذَا قُصِدَ بِالنِّكَاحِ لَا يَقْدَحُ فِيهِ؛ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَوْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ قُرْبَةٍ؛ مِنْ صَلَاةٍ، أَوْ حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ صِيَامٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَادَاتِ؛ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ وَيَصِحُّ مِنْهُ قُرْبَةً، وَهَذَا مِثْلُهُ، فَلَوْ كَانَ هَذَا مِنَ الْيَمِينِ وَشَبَهِهِ قَادِحًا فِي أَصْلِ الْعَقْدِ؛ لَكَانَ قَادِحًا فِي أَصْلِ الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِبَادَةِ التَّوَجُّهُ بِهَا إِلَى الْمَعْبُودِ قَاصِدًا بِذَلِكَ التَّقَرُّبَ إِلَيْهِ، فَكَمَا تَصِحُّ1 الْعِبَادَةُ الْمَنْذُورَةُ أَوِ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا إِلَّا حَلَّ الْيَمِينِ -وَإِلَّا لَمْ يَبَرَّ فِيهِ- فَكَذَلِكَ هُنَا، بَلْ أَوْلَى، وَكَذَلِكَ مَنْ حَلَفَ أَنْ يَبِيعَ سِلْعَةً يَمْلِكُهَا؛ فَالْعَقْدُ بِبَيْعِهَا صَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ إِلَّا حَلَّ الْيَمِينِ، وَكَذَلِكَ إِنْ حَلَفَ أَنْ يَصِيدَ أَوْ يَذْبَحَ هَذِهِ الشَّاةَ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

وَهَذَا كُلُّهُ رَاجِعٌ إِلَى أَصْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّ الْأَحْكَامَ الْمَشْرُوعَةَ لِلْمَصَالِحِ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمَصْلَحَةِ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ مَحَالِّهَا، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مَظِنَّةً2 لَهَا خَاصَّةً.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْأُمُورَ الْعَادِيَّةَ إِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي صِحَّتِهَا أَنْ لَا تَكُونَ مُنَاقِضَةً لِقَصْدِ الشَّارِعِ، وَلَا يُشْتَرَطُ ظُهُورُ الْمُوَافَقَةِ، وَكِلَا الْأَصْلَيْنِ سيأتي إن شاء الله تعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015