الموافقات (صفحة 431)

فَحَالَتْ بَيْنَ الْمُتَسَبِّبِ وَبَيْنَ مُرَاعَاةِ الْأَسْبَابِ، وَبِذَلِكَ يَصِيرُ الْعَابِدُ مُسْتَكْثِرًا لِعِبَادَتِهِ، وَالْعَالَمُ مُغْتَرًّا بِعِلْمِهِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

وَأَمَّا الصَّبْرُ وَالشُّكْرُ؛ فَلِأَنَّهُ إذا كان ملتفتا1 إِلَى أَمْرِ الْآمِرِ وَحْدَهُ، مُتَيَقِّنًا2 أَنَّ بِيَدِهِ مِلَاكَ الْمُسَبَّبَاتِ وَأَسْبَابِهَا، وَأَنَّهُ عَبْدٌ مَأْمُورٌ؛ وَقَفَ مع أمر الآمر، ولم يكن له عن3 ذَلِكَ مَحِيدٌ وَلَا زَوَالٌ، وَأَلْزَمَ نَفْسَهُ الصَّبْرَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَحْتَ حَدِّ الْمُرَاقَبَةِ، وَمِمَّنْ عَبَدَ اللَّهَ كَأَنَّهُ يَرَاهُ، فَإِذَا وَقَعَ الْمُسَبَّبُ كَانَ مِنْ أَشْكَرِ الشَّاكِرِينَ؛ إِذْ لَمْ يَرَ لِتَسَبُّبِهِ فِي ذَلِكَ الْمُسَبَّبِ وِرْدا وَلَا صَدَرا4، وَلَا اقْتَضَى مِنْهُ فِي نَفْسِهِ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا، وَإِنْ كَانَ عَلَامَةً وَسَبَبًا عَادِيًّا؛ فَهُوَ سَبَبٌ بِالتَّسَبُّبِ5 وَمُعْتَبَرٌ فِي عَادِيِّ التَّرْتِيبِ، وَلَوْ كَانَ مُلْتَفِتًا إِلَى الْمُسَبَّبِ؛ فَالسَّبَبُ قَدْ يُنْتِجُ وَقَدْ يُعْقِمُ، فَإِذَا أَنْتَجَ فَرِحَ، وَإِذَا لَمْ يُنْتِجْ؛ لَمْ يَرْضَ بِقَسْمِ اللَّهِ وَلَا بِقَضَائِهِ، وَعَدَّ السَّبَبَ كَلَا شَيْءٍ، وَرُبَّمَا مَلَّهُ فَتَرَكَهُ، وَرُبَّمَا سَئِمَ مِنْهُ فَثَقُلَ عَلَيْهِ، وَهَذَا يُشْبِهُ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ، وَهُوَ خِلَافُ عَادَةِ مَنْ دَخَلَ تَحْتَ رِقِّ الْعُبُودِيَّةِ، وَمَنْ تَأَمَّلَ سَائِرَ الْمَقَامَاتِ السَّنِيَّةِ وَجَدَهَا فِي تَرْكِ الِالْتِفَاتِ إِلَى الْمُسَبَّبَاتِ، وَرُبَّمَا كَانَ هَذَا أَعْظَمَ نفع الْكَرَامَاتِ وَالْخَوَارِقِ.

فَصْلٌ:

- وَمِنْهَا: أَنَّ تَارِكَ النَّظَرِ فِي الْمُسَبَّبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ لِلَّهِ إنما همه السبب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015