الموافقات (صفحة 428)

لَمْ تُفْعَلِ الْأَسْبَابُ عَلَى مَا يَنْبَغِي، وَلَا اسْتَكْمَلَتْ شَرَائِطَهَا، وَلَمْ تَنْتِفْ مَوَانِعُهَا؛ فَلَا تَقَعُ مُسَبَّبَاتُهَا شَاءَ الْمُكَلَّفُ أَوْ أَبَى لِأَنَّ الْمُسَبَّبَاتِ لَيْسَ وُقُوعُهَا أَوْ عَدَمُ وُقُوعِهَا لِاخْتِيَارِهِ.

وَأَيْضًا؛ فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَجْعَلْهَا أَسْبَابًا مُقْتَضِيَةً إِلَّا مَعَ وُجُودِ شَرَائِطِهَا وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهَا، فَإِذَا لَمْ تَتَوَفَّرْ؛ لَمْ يَسْتَكْمِلِ السَّبَبُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا شرعيا، سواء علينا أقلنا: إن الشرط وَانْتِفَاءَ الْمَوَانِعِ أَجْزَاءُ أَسْبَابٍ أَمْ لَا؛ فَالثَّمَرَةُ وَاحِدَةٌ.

وَأَيْضًا، لَوِ اقْتَضَتِ الْأَسْبَابُ مُسَبَّبَاتِهَا وَهِيَ غَيْرُ كَامِلَةٍ بِمَشِيئَةِ الْمُكَلَّفِ، أَوِ ارْتَفَعَتِ اقْتِضَاءَاتُهَا وَهِيَ تَامَّةٌ؛ لَمْ يَكُنْ لِمَا وَضَعَ الشَّارِعُ منها فائدة، ولكان وضعه لها عَبَثًا؛ لِأَنَّ مَعْنَى كَوْنِهَا أَسْبَابًا شَرْعِيَّةً هُوَ أَنْ تَقَعَ مُسَبَّبَاتُهَا شَرْعًا، وَمَعْنَى كَوْنِهَا غَيْرَ أَسْبَابٍ شَرْعًا أَنْ لَا تَقَعَ مُسَبَّبَاتُهَا شَرْعًا، فَإِذَا كَانَ اخْتِيَارُ الْمُكَلَّفِ يَقْلِبُ حَقَائِقَهَا شَرْعًا؛ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَضْعٌ مَعْلُومٌ فِي الشَّرْعِ، وَقَدْ فَرَضْنَاهَا مَوْضُوعَةً فِي الشَّرْعِ عَلَى وَضْعٍ مَعْلُومٍ، هَذَا خَلْفٌ مُحَالٌ؛ فَمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ مِثْلُهُ, وَبِهِ يَصِحُّ أَنَّ اخْتِيَارَاتِ الْمُكَلَّفِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ1.

فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ هَذَا مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ، أَوْ بِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الصِّحَّةِ، أَوْ بِأَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ مَا يَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ لِذَاتِهِ أَوْ لِوَصْفِهِ؟ فَإِنَّ هَذِهِ الْمَذَاهِبَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّسَبُّبَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ -وهو الذي لم يستكمل الشروط ولا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015