الموافقات (صفحة 426)

فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يَكُونُ هَذَا فِي الْحُكْمِ كَالرَّفْضِ فِي الْعِبَادَاتِ؟ فَإِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ رَفْضٌ لِكَوْنِهِ سَبَبًا شَرْعِيًّا؛ فَالطَّهَارَةُ مَثَلًا سَبَبٌ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ، فَإِذَا قُصِدَ أَنَّهَا لَا تَرْفَعُ الْحَدَثَ؛ فَهُوَ مَعْنَى رَفْضِ النِّيَّةِ فِيهِ، وقد قالوا: إن رفض النية ينهض سَبَبًا فِي إِبْطَالِ الْعِبَادَةِ؛ فَرَجَعَ الْبَحْثُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ إِبْطَالٌ لِأَنْفُسِ الْأَسْبَابِ1 لَا إِبْطَالُ الْمُسَبَّبَاتِ.

فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ الرَّفْضُ فِي أَثْنَاءِ الْعِبَادَةِ إِذَا كَانَ قَاصِدًا بِهَا امْتِثَالَ الْأَمْرِ، ثُمَّ أَتَمَّهَا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، بَلْ بِنْيَةٍ أُخْرَى لَيْسَتْ بِعِبَادَتِهِ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا؛ كَالْمُتَطَهِّرِ يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ، ثُمَّ يَنْسَخُ تِلْكَ النِّيَّةَ بِنْيَةِ التَّبَرُّدِ أَوِ التَّنَظُّفِ مِنَ الْأَوْسَاخِ الْبَدَنِيَّةِ، وَأَمَّا بَعْدَ مَا تَمَّتِ الْعِبَادَةُ وَكَمُلَتْ عَلَى شُرُوطِهَا؛ فَقَصْدُهُ أَنْ لَا تَكُونَ عِبَادَةً وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حُكْمٌ آخَرُ مِنْ إِجْزَاءٍ أَوِ اسْتِبَاحَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِيهَا؛ بَلْ هِيَ عَلَى حُكْمِهَا لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْقَصْدُ؛ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ.

وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ كَلَامَ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الرَّفْضِ، وَقَالَ إِنَّهُ يُؤَثِّرُ، ولم يفصل2

طور بواسطة نورين ميديا © 2015