الموافقات (صفحة 413)

بِأَنَّ السَّبَبَ فِي يَدِ الْمُسَبِّبِ أَغْنَاهُ عَنْ تطلب المسبب من جهته على التعيين، بَلِ السَّبَبُ وَعَدَمُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، فَكَمَا أَنَّ أَخْذَهُ لِلسَّبَبِ لَا يُعَدُّ إِلْقَاءً بِالْيَدِ إِذَا كَانَ اعْتِمَادُهُ عَلَى الْمُسَبِّبِ، كَذَلِكَ فِي التَّرْكِ، وَلَوْ فُرِضَ أَنَّ آخِذَ السَّبَبِ أَخَذَهُ بِإِسْقَاطِ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْمُسَبِّبِ؛ لَكَانَ إِلْقَاءً بِالْيَدِ إِلَى التَّهْلُكَةِ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى نَفْسِ السَّبَبِ، وَلَيْسَ فِي السَّبَبِ نَفْسِهِ مَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ, وَإِنَّمَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مَوْضُوعًا سببا، فلذلك إِذَا تُرِكَ السَّبَبُ لَا لِشَيْءٍ1؛ فَالسَّبَبُ وَعَدَمُهُ فِي الْحَالَيْنِ سَوَاءٌ فِي عَقْدِ الْإِيمَانِ وَحَقَائِقِ الْإِيقَانِ2.

وَكُلُّ أَحَدٍ فَقِيهُ نَفْسِهِ، وَقَدْ مَرَّ الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ3، وَقَدْ قَالَ فِي الْحَدِيثِ:

"جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَوِ اجْتَمَعَ الْخَلْقُ عَلَى أَنْ يُعْطُوكَ شَيْئًا لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ لَكَ؛ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، [وَعَلَى أَنْ يَمْنَعُوكَ شَيْئًا كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ؛ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ] " 4، وَحَكَى عِيَاضٌ5 عَنِ الْحَسَنِ بْنِ نَصْرٍ السُّوسِيِّ -مِنْ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ- أَنَّ ابْنَهُ قَالَ لَهُ فِي سَنَةٍ غَلَا فِيهَا السِّعْرُ: يَا أَبَتِ! اشْتَرِ طَعَامًا؛ فَإِنِّي أَرَى السِّعْرَ قَدْ غَلَا. فَأَمَرَ بِبَيْعِ مَا كَانَ فِي دَارِهِ مِنَ الطَّعَامِ، ثُمَّ قَالَ لِابْنِهِ: لَسْتَ مِنَ الْمُتَوَكِّلِينَ عَلَى اللَّهِ، وَأَنْتَ قَلِيلُ الْيَقِينِ، كَأَنَّ الْقَمْحَ إِذَا كَانَ عِنْدَ أَبِيكَ يُنْجِيكَ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ عَلَيْكَ! مَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ؛ كَفَاهُ اللَّهُ.

وَنَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا فِي الْفِقْهِ؛ الْغَازِي إذا حمل وحده على جيش الكفار؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015