فَاعْتِقَادُ الْمُعْتَقِدِ لِكَوْنِ السَّبَبِ هُوَ الْفَاعِلَ مَعْصِيَةٌ قَارَنَتْ مَا هُوَ مُبَاحٌ أَوْ مَطْلُوبٌ، فَلَا يُبْطِلُهُ؛ إِلَّا إِنْ قِيلَ: إِنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْمُقَارَنَةِ مُفْسِدَةٌ، وَإِنَّ الْمُقَارِنَ لِلْمَعْصِيَةِ تُصَيِّرُهُ مَنْهِيًّا عَنْهُ، كَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، وَالذَّبْحِ بِالْمُدْيَةِ الْمَغْصُوبَةِ، وَذَلِكَ مُبَيَّنٌ فِي الْأُصُولِ.
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ:
فَظَاهِرٌ أَنَّ التَّسَبُّبَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِيهَا إِذَا اعْتَمَدَ عَلَى جَرَيَانِ الْعَادَاتِ، وَكَانَ الْغَالِبُ فِيهَا وُقُوعَ الْمُسَبَّبَاتِ عَنْ أَسْبَابِهَا، وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ ذَلِكَ؛ كَانَ تَرْكُ التَّسَبُّبِ كَإِلْقَاءٍ بِالْيَدِ إِلَى التَّهْلُكَةِ أَوْ هُوَ هُوَ، وَكَذَلِكَ إِذَا بلغ [اعتقاده] مَبْلَغَ الْقَطْعِ الْعَادِيِّ؛ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَتَسَبَّبَ، وَلِأَجْلِ هَذَا قَالُوا فِي الْمُضْطَرِّ: إِنَّهُ1 إِذَا خَافَ الْهَلَكَةَ وَجَبَ عَلَيْهِ السُّؤَالُ أَوِ الِاسْتِقْرَاضُ أَوْ أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَ نَفْسَهُ حَتَّى يَمُوتَ، وَلِذَلِكَ قَالَ مَسْرُوقٌ: "وَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى شَيْءٍ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ حَتَّى مَاتَ؛ دَخَلَ النَّارَ"2.
وَأَمَّا الثَّالِثَةُ:
فَالتَّسَبُّبُ أَيْضًا ظَاهِرٌ؛ إِلَّا أَنَّهُ يَبْقَى فِيهَا بَحْثٌ: هَلْ يَكُونُ صَاحِبُهَا بِمَنْزِلَةِ3 صَاحِبِ الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ أَمْ لَا؟ هَذَا مِمَّا يُنْظَرُ فِيهِ، وَإِطْلَاقُ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ يَقْتَضِي عَدَمَ التَّفْرِقَةِ، وَأَحْوَالُ الْمُتَوَكِّلِينَ مِمَّنْ دَخَلَ تَحْتَ تَرْجَمَةِ التَّصَوُّفِ لَا تَقْتَضِي ذَلِكَ، هَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ تَسَاوِي الْمَرْتَبَتَيْنِ فِي هَذَا الْحُكْمِ كَطَرِيقَةِ الْفُقَهَاءِ، عَلَى تَفْصِيلٍ لَهُ فِي ذَلِكَ4؛ فَالَّذِي يَظْهَرُ فِي الْمَسْأَلَةِ نَظَرٌ آخَرُ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْتَبَةَ تَكُونُ علمية وتكون حالية5، والفرق بين العلم