الموافقات (صفحة 407)

أَحَدُهُمَا: مَا وُضِعَ لِابْتِلَاءِ الْعُقُولِ، وَذَلِكَ الْعَالَمُ كُلُّهُ1 مِنْ حَيْثُ هُوَ مَنْظُورٌ فِيهِ، وَصَنْعَةٌ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى مَا وَرَاءَهَا.

وَالثَّانِي: مَا وُضِعَ لِابْتِلَاءِ النُّفُوسِ، وَهُوَ الْعَالَمُ كُلُّهُ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ هُوَ مُوصِلٌ إِلَى الْعِبَادِ الْمَنَافِعَ وَالْمَضَارَّ، وَمِنْ حَيْثُ هُوَ مُسَخَّرٌ لَهُمْ وَمُنْقَادٌ لِمَا يُرِيدُونَ فِيهِ؛ لِتَظْهَرَ تَصَارِيفُهُمْ تَحْتَ حُكْمِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، وَلِتَجْرِيَ أَعْمَالُهُمْ تَحْتَ حُكْمِ الشَّرْعِ، لِيَسْعَدَ بِهَا مَنْ سَعِدَ وَيَشْقَى مَنْ شَقِيَ، وَلِيَظْهَرَ مُقْتَضَى الْعِلْمِ السَّابِقِ وَالْقَضَاءِ الْمُحَتَّمِ الَّذِي لَا مَرَدَّ لَهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ، وَمُنَزَّهٌ عَنِ الِافْتِقَارِ فِي صُنْعِ مَا يَصْنَعُ إِلَى الْأَسْبَابِ وَالْوَسَائِطِ، لَكِنْ وَضَعَهَا لِلْعِبَادِ لِيَبْتَلِيَهُمْ فِيهَا.

وَالْأَدِلَّةُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ؛ كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ2 أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هُودٍ: 7] .

{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الْمُلْكِ: 2] .

{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الْكَهْفِ: 7] .

{ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [يُونُسَ: 14] .

{ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ3 لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا} [الكهف: 12] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015