وَالْآخَرُ: حُقُوقٌ غَيْرُ مَحْدُودَةٍ.
فَأَمَّا الْمَحْدُودَةُ الْمُقَدَّرَةُ؛ فَلَازِمَةٌ لِذِمَّةِ الْمُكَلَّفِ1، مُتَرَتِّبَةٌ عَلَيْهِ دَيْنًا، حَتَّى يَخْرُجَ عَنْهَا؛ كَأَثْمَانِ الْمُشْتَرَيَاتِ، وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، وَمَقَادِيرِ الزَّكَوَاتِ، وَفَرَائِضِ الصَّلَوَاتِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ فَلَا إِشْكَالَ فِي أَنَّ مِثْلَ هَذَا مُتَرَتِّبٌ فِي ذِمَّتِهِ، دَيْنًا عَلَيْهِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ التَّحْدِيدُ وَالتَّقْدِيرُ؛ فَإِنَّهُ مُشْعِرٌ بِالْقَصْدِ إِلَى أَدَاءِ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ، فَإِذَا لَمْ يُؤَدِّهِ؛ فَالْخِطَابُ بَاقٍ عَلَيْهِ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ إِلَّا بِدَلِيلٍ2.
وَأَمَّا غَيْرُ الْمَحْدُودَةِ؛ فَلَازِمَةٌ لَهُ، وَهُوَ مَطْلُوبٌ بِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَتَرَتَّبُ فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأُمُورٍ:
أَحَدُهَا:
أَنَّهَا لَوْ تَرَتَّبَتْ فِي ذِمَّتِهِ؛ لَكَانَتْ مَحْدُودَةً مَعْلُومَةً؛ إِذِ الْمَجْهُولُ لَا يَتَرَتَّبُ فِي الذِّمَّةِ وَلَا يُعْقَلُ نِسْبَتُهُ إِلَيْهَا، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَرَتَّبَ دَيْنًا، وَبِهَذَا اسْتَدْلَلْنَا عَلَى عَدَمِ التَّرَتُّبِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْحُقُوقَ مَجْهُولَةُ الْمِقْدَارِ، وَالتَّكْلِيفُ بِأَدَاءِ مَا3 لَا يُعْرَفُ لَهُ مِقْدَارٌ تَكْلِيفٌ بِمُتَعَذِّرِ الْوُقُوعِ, وَهُوَ مُمْتَنِعٌ سَمْعًا.
وَمِثَالُهُ: الصَّدَقَاتُ الْمُطْلَقَةُ, وَسَدُّ الْخَلَّاتِ، وَدَفْعُ حَاجَاتِ الْمُحْتَاجِينَ، وَإِغَاثَةُ الْمَلْهُوفِينَ، وَإِنْقَاذُ الْغَرْقَى، وَالْجِهَادُ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ المنكر، ويدخل تحته سائر فروض الكفايات.