الموافقات (صفحة 318)

بَعْضَ الْمُبَاحَاتِ يَصِحُّ فِيهِ أَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْ جِهَةِ الْحَظِّ، كَمَا صَحَّ فِي بَعْضِ الْمَأْمُورَاتِ وَالْمَنْهِيَّاتِ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْ جِهَةِ الْحَظِّ.

فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْمُقَرَّرَةَ؛ أَنَّ الشَّرَائِعَ إِنَّمَا جِيءَ بِهَا لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ؛ فَالْأَمْرُ، وَالنَّهْيُ، وَالتَّخْيِيرُ، جَمِيعًا رَاجِعَةٌ إِلَى حَظِّ الْمُكَلَّفِ وَمَصَالِحِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْحُظُوظِ، مُنَزَّهٌ عَنِ الْأَغْرَاضِ؛ غَيْرَ أَنَّ الْحَظَّ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا:

دَاخِلٌ تَحْتَ الطَّلَبِ، فَلِلْعَبْدِ أَخْذُهُ مِنْ جِهَةِ الطَّلَبِ؛ فلا يكون ساعيا في حضه, وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَا يَفُوتُهُ حَظُّهُ، لَكِنَّهُ آخِذٌ لَهُ مِنْ جِهَةِ الطَّلَبِ لَا مِنْ حَيْثُ بَاعِثُ نَفْسِهِ، وَهَذَا مَعْنَى كَوْنِهِ بَرِيئًا مِنَ الْحَظِّ، وَقَدْ يَأْخُذُهُ مِنْ حَيْثُ الْحَظُّ؛ إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ دَاخِلًا تَحْتَ الطَّلَبِ فَطَلَبَهُ1 مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ؛ صَارَ حَظُّهُ تَابِعًا لِلطَّلَبِ، فَلَحِقَ بِمَا قَبْلَهُ فِي التَّجَرُّدِ عَنِ الْحَظِّ، وَسُمِّيَ بِاسْمِهِ، وَهَذَا مُقَرَّرٌ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

وَالثَّانِي:

غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ الطَّلَبِ؛ فَلَا يَكُونُ آخِذًا لَهُ إِلَّا مِنْ جِهَةِ إِرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ بِالْفَرْضِ، فَهُوَ قَدْ أَخَذَهُ إِذًا مِنْ جِهَةِ حَظِّهِ، فَلِهَذَا يُقَالُ فِي الْمُبَاحِ: إِنَّهُ الْعَمَلُ الْمَأْذُونُ فِيهِ، الْمَقْصُودُ بِهِ مُجَرَّدُ الْحَظِّ الدُّنْيَوِيِّ خَاصَّةً.

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ

الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ إِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ، وَالتُّرُوكُ بِالْمَقَاصِدِ2، فَإِذَا عَرِيَتْ عَنِ الْمَقَاصِدِ؛ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أُمُورٌ:

أَحَدُهَا: مَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ، وَهُوَ أَصْلٌ مُتَّفَقٌ عليه في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015