{فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [الْبَقَرَةِ: 158] .
وَقَدْ يَكُونُ مَعَ مُخَالَفَةِ الْمَنْدُوبِ؛ كَقَوْلِهِ: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} 1 [النَّحْلِ: 106] .
فَلَوْ كان رفع الجناح يَسْتَلْزِمُ التَّخْيِيرَ فِي الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ؛ لَمْ يَصِحَّ مَعَ الْوَاجِبِ، وَلَا مَعَ مُخَالَفَةِ الْمَنْدُوبِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ التَّخْيِيرُ الْمُصَرَّحُ بِهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مَعَ كَوْنِ الْفِعْلِ وَاجِبًا دُونَ التَّرْكِ، وَلَا مَنْدُوبًا، [وَبِالْعَكْسِ] 2.
وَالثَّانِي:
أَنَّ لَفْظَ التَّخْيِيرِ مَفْهُومٌ مِنْهُ قَصْدُ الشَّارِعِ إِلَى تَقْرِيرِ الْإِذْنِ فِي طَرَفَيِ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، وَأَنَّهُمَا عَلَى سَوَاءٍ فِي قَصْدِهِ، وَرَفْعُ الْحَرَجِ مَسْكُوتٌ عَنْهُ، وَأَمَّا لَفْظُ رَفْعِ الْجُنَاحِ؛ فَمَفْهُومُهُ قَصْدُ الشَّارِعِ إِلَى رَفْعِ الْحَرَجِ فِي الْفِعْلِ إِنْ وَقَعَ مِنَ الْمُكَلَّفِ، وَبَقِيَ الْإِذْنُ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ مَسْكُوتًا عَنْهُ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا لَهُ، لَكِنْ بِالْقَصْدِ الثَّانِي, كَمَا فِي الرُّخَصِ؛ فَإِنَّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى رَفْعِ الْحَرَجِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ؛ فَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي أَحَدِهِمَا مَسْكُوتٌ عَنْهُ فِي الْآخَرِ، وَبِالْعَكْسِ، فَلِذَلِكَ إِذَا قَالَ الشَّارِعُ فِي أَمْرٍ وَاقِعٍ: "لَا حَرَجَ فِيهِ"؛ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ حُكْمُ الْإِبَاحَةِ، إِذْ قَدْ يَكُونُ كَذَلِكَ، وَقَدْ يَكُونُ مَكْرُوهًا3، فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ بَعْدَ الْوُقُوعِ لَا حَرَجَ فِيهِ؛ فَلْيُتَفَقَّدْ هَذَا فِي الْأَدِلَّةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ:
مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا لَا حَرَجَ فِيهِ غَيْرُ مُخَيَّرٍ فِيهِ على