الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ:
النَّاظِرُ1 فِي الْمَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ إِمَّا نَاظِرٌ1 فِي قَوَاعِدِهَا الْأَصْلِيَّةِ أَوْ فِي جُزْئِيَّاتِهَا الْفَرْعِيَّةِ، وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ؛ فَهُوَ إِمَّا مُجْتَهِدٌ أَوْ مُنَاظِرٌ، فَأَمَّا الْمُجْتَهِدُ النَّاظِرُ لِنَفْسِهِ؛ فَمَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ فَهُوَ الْحُكْمُ فِي حَقِّهِ؛ إِلَّا أَنَّ الْأُصُولَ وَالْقَوَاعِدَ إِنَّمَا ثَبَتَتْ بِالْقَطْعِيَّاتِ2؛ ضَرُورِيَّةً كَانَتْ أَوْ نَظَرِيَّةً؛ عَقْلِيَّةً أَوْ سَمْعِيَّةً، وَأَمَّا الْفُرُوعُ؛ فَيَكْفِي فِيهَا مُجَرَّدُ الظَّنِّ عَلَى شَرْطِهِ الْمَعْلُومِ فِي مَوْضِعِهِ، فَمَا أَوْصَلَهُ إِلَيْهِ الدَّلِيلُ؛ فَهُوَ الْحُكْمُ فِي حَقِّهِ أَيْضًا، وَلَا يَفْتَقِرُ إِلَى مُنَاظَرَةٍ؛ لِأَنَّ نَظَرَهُ فِي مَطْلَبِهِ إِمَّا نَظَرٌ فِي جُزْئِيٍّ، وَهُوَ ثانٍ عَنْ نَظَرِهِ فِي الْكُلِّيِّ الَّذِي يَنْبَنِي عَلَيْهِ، وَإِمَّا نَظَرٌ فِي كُلِّيٍّ ابْتِدَاءً، وَالنَّظَرُ فِي الْكُلِّيَّاتِ ثانٍ عَنِ3 الِاسْتِقْرَاءِ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى تَأَمُّلٍ وَاسْتِبْصَارٍ وَفُسْحَةِ زَمَانٍ يَسَعُ ذَلِكَ.
وَهَكَذَا إِنْ كَانَ عَقْلِيًّا؛ فَفَرْضُ الْمُنَاظَرَةِ هُنَا لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ قَبْلَ الْوُصُولِ مُتَطَلَّبٌ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْحَاضِرَةِ عِنْدَهُ؛ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى غَيْرِهِ فِيهَا، وَبَعْدَ الْوُصُولِ هُوَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ مَطْلَبِهِ فِي نَفْسِهِ؛ فَالْمُنَاظَرَةُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ زِيَادَةٌ.
وَأَيْضًا؛ فَالْمُجْتَهِدُ أَمِينٌ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِذَا كَانَ مَقْبُولَ الْقَوْلِ قَبِلَهُ الْمُقَلِّدُ، وَوَكَلَهُ الْمُجْتَهِدُ الْآخَرُ إِلَى أَمَانَتِهِ؛ إِذْ هُوَ عِنْدَهُ مُجْتَهِدٌ مَقْبُولُ الْقَوْلِ؛ فَلَا يَفْتَقِرُ إِذَا اتَّضَحَ لَهُ مَسْلَكُ المسألة إلى مناظرة.