وَالدَّلَائِلُ أَكْثَرُ مِنَ الِاسْتِقْصَاءِ.
فَاقْتَضَى الْوَصْفُ الْأَوَّلُ الْمُضَادَّةَ لِلثَّانِي؛ فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنَ الْوَصْفِ الْأَوَّلِ يُضَادُّ هَذَا الْوَجْهَ الْأَخِيرَ مِنَ الْوَصْفِ الثَّانِي، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ اعْتِبَارِهَا وَأَنَّهَا مُجَرَّدُ لَعِبٍ لَا مَحْصُولَ لَهُ مُضَادٌّ لِكَوْنِهَا نِعَمًا وَفَضْلًا، وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنَ الْوَصْفِ الْأَوَّلِ مُضَادٌّ لِلْأَوَّلِ مِنَ الْوَصْفِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا زَائِلَةً وَظِلًّا يَتَقَلَّصُ عَمَّا قَرِيبٍ مُضَادٌّ لِكَوْنِهَا بَرَاهِينَ عَلَى وُجُودِ الْبَارِي وَوَحْدَانِيَّتِهِ وَاتِّصَافِهِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ، وَعَلَى أَنَّ الْآخِرَةَ حَقٌّ؛ فَهِيَ مِرْآةٌ يُرَى فِيهَا الْحَقُّ، فِي كُلِّ مَا هُوَ حَقٌّ، وَهَذَا لَا تَنْفَصِلُ الدُّنْيَا فِيهِ مِنَ الْآخِرَةِ، بَلْ هُوَ فِي الدُّنْيَا لَا يَفْنَى؛ لِأَنَّهَا إِذَا كَانَتْ مَوْضُوعَةً لِأَمْرٍ وَهُوَ الْعِلْمُ الَّذِي تُعْطِيهِ؛ فَذَلِكَ الْأَمْرُ مَوْجُودٌ فِيهَا تَحْقِيقُهُ وَهُوَ لَا يَفْنَى، وَإِنْ فَنِيَ مِنْهَا مَا يَظْهَرُ لِلْحِسِّ، وَذَلِكَ الْمَعْنَى يَنْتَقِلُ إِلَى1 الْآخِرَةِ؛ فَتَكُونُ هُنَالِكَ نَعِيمًا
فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا بُثَّ فِيهَا مِنَ النِّعَمِ الَّتِي وُضِعَتْ2 عُنْوَانًا عَلَيْهِ -كَجَعْلِ اللَّفْظِ دَلِيلًا عَلَى الْمَعْنَى-[فَالْمَعْنَى] 3 بَاقٍ وَإِنْ فَنِيَ الْعُنْوَانُ، وَذَلِكَ ضِدُّ كَوْنِهَا مُنْقَضِيَةً بِإِطْلَاقٍ؛ فالوصفان إذن مُتَضَادَّانِ، وَالشَّرِيعَةُ مُنَزَّهَةٌ عَنِ التَّضَادِّ، مُبَرَّأَةٌ عَنِ الِاخْتِلَافِ؛ فَلَزِمَ4 مِنْ ذَلِكَ أَنَّ5 تَوَارُدَ الْوَصْفَيْنِ عَلَى جِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، أَوْ حَالَتَيْنِ مُتَنَافِيَتَيْنِ، بَيَانُهُ أَنَّ لَهَا نَظَرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: نَظَرٌ مُجَرَّدٌ مِنَ الْحِكْمَةِ الَّتِي وُضِعَتْ لَهَا الدُّنْيَا مِنْ كَوْنِهَا مُتَعَرَّفًا لِلْحَقِّ، وَمُسْتَحَقًّا لِشُكْرِ الْوَاضِعِ لَهَا، بَلْ إنما يعتبر فيها كونها عيشا ومقتنصا