الموافقات (صفحة 2605)

الْمُمْكِنِ أَنْ يَدْعُوَ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ صَلَاحٌ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ؛ فَكَوْنُهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ وَهُمْ صَفْوَةُ اللَّهِ مَنْ خَلْقِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي حَقِّهِمْ أَنْ تَكُونَ جَمِيعُ أَعْمَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ مَصْرُوفَةً إِلَى الْآخِرَةِ فَقَطْ، فَكَذَلِكَ دَعْوَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهَا أَمْرُ الْآخِرَةِ أَلْبَتَّةَ؛ فَلَا دَلِيلَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَا قَالَ هَذَا العالم.

أمر ثَالِثٌ1: وَهُوَ أَنَّا لَوْ بَنَيْنَا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ2؛ لَكُنَّا نَقُولُ ذَلِكَ الْقَوْلَ فِي كُلِّ فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَانَ مِنْ أَفْعَالِ الْجِبِلَّةِ الْآدَمِيَّةِ أَوْ لَا؛ إِذْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ قَصَدَ بِهَا أُمُورًا أُخْرَوِيَّةً وَتَعَبُّدًا مَخْصُوصًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، بل كان يلزم منه أن لا يَكُونَ لَهُ فِعْلٌ مِنَ الْأَفْعَالِ مُخْتَصًّا3 بِالدُّنْيَا إلا ما بَيَّنَ أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الدُّنْيَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَيَّنُ إِذْ ذَاكَ كَوْنُهُ دُنْيَوِيًّا لِخَفَاءِ قَصْدِهِ فِيهِ حَتَّى يُصَرِّحَ بِهِ4، وَكَذَلِكَ إِذَا لَمْ يُبَيِّنْ جِهَتَهُ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ أَيْضًا؛ فَلَا يَحْصُلُ مِنْ بَيَانِ أُمُورِ الدُّنْيَا إِلَّا الْقَلِيلُ، وَذَلِكَ خِلَافُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مُعْظَمُ الشَّرِيعَةِ، فَإِذَا ثبت صَحَّ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ غَيْرُ ثَابِتٍ5، وَأَنَّ الْحَدِيثَ لَا دَلِيلَ فِيهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ كَمَا تَقَدَّمَ يَقْتَضِي أَنَّ الدَّعْوَةَ مَخْصُوصَةٌ بِالْأُمَّةِ؛ لِقَوْلِهِ فِيهِ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015