الموافقات (صفحة 2579)

وَالثَّانِي: أَنَّ الطَّعْنَ فِي مَسَاقِ التَّرْجِيحِ يُبَيِّنُ1 الْعِنَادَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ2 الْمَطْعُونِ عَلَيْهِ، وَيَزِيدُ فِي دَوَاعِي التَّمَادِي وَالْإِصْرَارِ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي غُضَّ مِنْ جَانِبِهِ مَعَ اعْتِقَادِهِ خِلَافَ ذَلِكَ حَقِيقٌ بِأَنْ يَتَعَصَّبَ لِمَا هُوَ عَلَيْهِ وَيُظْهِرَ مَحَاسِنَهُ؛ فَلَا يَكُونُ لِلتَّرْجِيحِ الْمَسُوقِ هَذَا الْمَسَاقَ فَائِدَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الْإِغْرَاءِ بِالْتِزَامِ [الْمَذْهَبِ] 3، وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا؛ فَكَأَنَّ4 التَّرْجِيحَ لَمْ يَحْصُلْ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا التَّرْجِيحَ مغرٍ بِانْتِصَابِ الْمُخَالِفِ لِلتَّرْجِيحِ بِالْمِثْلِ أَيْضًا؛ فَبَيْنَا نَحْنُ نتتبع المحاسن5 صرنا نتتبع القبائح [من المجانبين] ؛ فَإِنَّ النُّفُوسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى الِانْتِصَارِ لِأَنْفُسِهَا وَمَذَاهِبِهَا وَسَائِرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا؛ فَمَنْ غَضَّ مِنْ جَانِبِ صَاحِبِهِ غَضَّ صَاحِبُهُ مِنْ جَانِبِهِ؛ فَكَأَنَّ الْمُرَجِّحَ لِمَذْهَبِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ غاضٌّ مِنْ جَانِبِ مَذْهَبِهِ؛ فَإِنَّهُ تَسَبَّبَ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ: "إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَسُبَّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ". قَالُوا: وَهَلْ يَسُبُّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: "يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ" 6؛ فَهَذَا مِنْ ذَلِكَ.

وَقَدْ مَنَعَ اللَّهُ أَشْيَاءَ مِنَ الْجَائِزَاتِ7 لِإِفْضَائِهَا إِلَى الْمَمْنُوعِ؛ كَقَوْلِهِ: {لَا تَقُولُوا رَاعِنَا} [الْبَقَرَةِ: 104] .

وَقَوْلِهِ: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّه} الآية [الأنعام: 108] .

وأشباه ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015