الموافقات (صفحة 2577)

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:

وَذَلِكَ أَنَّ السَّائِلَ لَا يَصِحُّ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ مَنْ لَا يُعْتَبَرُ فِي الشَّرِيعَةِ جَوَابُهُ؛ لِأَنَّهُ إِسْنَادُ أَمْرٍ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ؛ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ مِثْلِ هَذَا1، بَلْ لَا يُمْكِنُ2 فِي الْوَاقِعِ؛ لِأَنَّ السَّائِلَ يَقُولُ لِمَنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِمَا سُئِلَ عَنْهُ: أَخْبِرْنِي عَمَّا لَا تَدْرِي، وَأَنَا أُسْنِدُ أَمْرِي لك فيما نحن بالجهل3 به على سواء، ومثل هَذَا لَا يَدْخُلُ فِي زُمْرَةِ الْعُقَلَاءِ؛ إِذْ لَوْ قَالَ لَهُ: دُلَّنِي فِي هَذِهِ الْمَفَازَةِ عَلَى الطَّرِيقِ إِلَى الْمَوْضِعِ الْفُلَانِيِّ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُمَا فِي الْجَهْلِ بِالطَّرِيقِ سَوَاءٌ؛ لعدَّ مِنْ زُمْرَةِ الْمَجَانِينِ؛ فَالطَّرِيقُ الشَّرْعِيُّ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ هَلَاكٌ أُخْرَوِيٌّ، وَذَلِكَ هَلَاكٌ دُنْيَوِيٌّ خَاصَّةً، وَالْإِطْنَابُ فِي هَذَا أَيْضًا غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِ؛ غَيْرَ أَنَّا نَقُولُ بَعْدَهُ:

إِذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ السُّؤَالُ؛ فَحَقَّ عليه أن لا يَسْأَلَ إِلَّا مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي يَسْأَلُ عَنْهُ؛ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَتَّحِدَ فِي ذَلِكَ النَّظَرُ4 أَوْ يَتَعَدَّدَ، فَإِنِ اتَّحَدَ؛ فَلَا إِشْكَالَ، وَإِنَّ تَعَدَّدَ؛ فَالنَّظَرُ فِي التَّخْيِيرِ وَفِي التَّرْجِيحِ قَدْ تَكَفَّلَ بِهِ أَهْلُ الْأُصُولِ، وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَعْرِفْ أَقْوَالَهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ السُّؤَالِ، أَمَّا إِذَا كَانَ [قَدِ] اطَّلَعَ عَلَى فَتَاوِيهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِأَحَدِهَا؛ فَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لَهُ إِلَّا التَّرْجِيحُ؛ لِأَنَّ مِنْ مَقْصُودِ الشَّرِيعَةِ إِخْرَاجَ الْمُكَلَّفِ عَنْ دَاعِيَةِ هَوَاهُ، حَتَّى يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ، وَتَخْيِيرِهِ يَفْتَحُ لَهُ بَابَ اتِّبَاعِ الْهَوَى؛ فَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ الْبَتَّةَ، وَقَدْ5 مَرَّ فِي ذَلِكَ تَقْرِيرٌ حَسَنٌ فِي هذا الكتاب؛ فلا نعيده.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015