الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ:
الْمُفْتِي الْبَالِغُ ذُرْوَةِ2 الدَّرَجَةِ هُوَ الَّذِي يَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى الْمَعْهُودِ الْوَسَطِ فِيمَا يَلِيقُ بِالْجُمْهُورِ؛ فَلَا يَذْهَبُ بِهِمْ مَذْهَبَ الشِّدَّةِ، وَلَا يَمِيلُ بِهِمْ إِلَى طَرَفِ الِانْحِلَالِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا أَنَّهُ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ؛ فَإِنَّهُ قَدْ مَرَّ أَنَّ مَقْصِدَ الشَّارِعِ مِنَ الْمُكَلَّفِ الْحَمْلُ عَلَى التَّوَسُّطِ مِنْ غَيْرِ إِفْرَاطٍ وَلَا تَفْرِيطٍ، فَإِذَا خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَفْتِينَ؛ خَرَجَ عَنْ قَصْدِ الشَّارِعِ، وَلِذَلِكَ كَانَ مَا خَرَجَ عَنِ الْمَذْهَبِ الْوَسَطِ مَذْمُومًا عِنْدَ الْعُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ3.
وَأَيْضًا4؛ فَإِنَّ هَذَا الْمَذْهَبَ كَانَ الْمَفْهُومُ مِنْ شَأْنِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ الْأَكْرَمِينَ، وَقَدْ رَدَّ5 عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ التَّبَتُّلَ6. وَقَالَ لِمُعَاذٍ لَمَّا أَطَالَ بِالنَّاسِ فِي الصَّلَاةِ: "أَفْتَّانٌ أنت يا معاذ" 7.