فَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ وَلَا الْفَتْوَى عَلَى كَمَالِهَا فِي الصِّحَّةِ إِلَّا مَعَ مُطَابَقَةِ الْقَوْلِ الْفِعْلَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَقَدْ قَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ1:
ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا ... فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ
فَهُنَاكَ يُسْمَعُ مَا تَقُولُ وَيُقْتَدَى ... بِالرَّأْيِ مِنْكَ وَيَنْفَعُ التَّعْلِيمُ
لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وتأتىَ مِثْلَهُ ... عارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
[وَهُوَ مَعْنًى مُوَافِقٌ لِلنَّقْلِ وَالْعَقْلِ، لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُقَلَاءِ] 2.
فَصْلٌ:
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا حُكْمُ الْمُسْتَفْتِي مَعَ هَذَا الْمُفْتِي الَّذِي لَمْ يُطَابِقْ قَوْلُهُ فِعْلَهُ؛ هَلْ يَصِحُّ تَقْلِيدُهُ فِي بَابِ التَّكْلِيفِ، أَمْ لَا؟ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ وَيُعْمَلُ عَلَيْهِ أَوْ لَا.
فَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ أُخِذَتْ مِنْ جِهَةِ الصِّحَّةِ فِي الْوُقُوعِ فَلَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا إِذَا لَمْ تَصِحَّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُفْتِي، فَكَذَلِكَ يُقَالُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُسْتَفْتِي؛ هَذَا هُوَ المطَّرِد وَالْغَالِبُ، وَمَا سِوَاهُ كَالْمَحْفُوظِ النَّادِرِ الَّذِي لَا يَقُومُ مِنْهُ أَصْلٌ كُلِّيٌّ بِحَالٍ، وَأَمَّا إِنْ أُخِذَتْ مِنْ جِهَةِ الْإِلْزَامِ الشَّرْعِيِّ؛ فَالْفِقْهُ فِيهَا ظَاهِرٌ، فَإِنْ كَانَتْ مُخَالَفَتُهُ ظَاهِرَةٌ قَادِحَةٌ فِي عدالته؛ فلا يصح إلزامه،