الموافقات (صفحة 2559)

وَكَانُوا يَبْحَثُونَ عَنْ أَفْعَالِهِ1 كَمَا يَبْحَثُونَ عَنْ أَقْوَالِهِ، وَهَذَا مِنْ أَشَدِّ الْمَوَاضِعِ عَلَى الْعَالِمِ الْمُنْتَصِبِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ بَيَانٌ آخَرُ فِي بَابِ الْبَيَانِ؛ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ، وَالْمَعْنَى فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَاحِدٌ.

وَلَعَلَّ قَائِلًا يَقُولُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَعْصُومًا، فَكَانَ عَمَلُهُ لِلِاقْتِدَاءِ مَحَلًّا بِلَا إِشْكَالٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ؛ فَإِنَّهُ مَحَلٌّ لِلْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْكُفْرِ فَضْلًا عَنِ الْإِيمَانِ، فَأَفْعَالُهُ لَا يُوثَقُ بِهَا؛ فَلَا تَكُونُ مُقْتَدًى بِهَا.

فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ إِنِ اعْتَبَرَ هَذَا الِاحْتِمَالَ فِي نَصْبِ أَفْعَالِهِ حُجَّةً لِلْمُسْتَفْتِي؛ فَلِيَعْتَبِرْ مِثْلَهُ فِي نَصْبِ أَقْوَالِهِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ فِيهَا الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَالْكَذِبُ عَمْدًا وَسَهْوًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُعْتَبَرًا فِي الْأَقْوَالِ؛ لَمْ يَكُنْ2 مُعْتَبَرًا فِي الْأَفْعَالِ، وَلِأَجْلِ هَذَا تُسْتَعْظَمُ شَرْعًا زَلَّةُ الْعَالَمِ كَمَا تَبَيَّنَ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَفِي بَابِ الْبَيَانِ؛ فَحَقٌّ3 عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَنْتَصِبَ لِلْفَتْوَى بِفِعْلِهِ وَقَوْلِهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى أَفْعَالِهِ حَتَّى تَجْرِيَ عَلَى قَانُونِ الشَّرْعِ؛ لِيُتَّخَذَ فِيهَا أُسْوَةً.

وَأَمَّا الْإِقْرَارُ؛ فَرَاجِعٌ [فِي الْمَعْنَى] إِلَى الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّ فِعْلٌ، وَكَفُّ الْمُفْتِي عَنِ الْإِنْكَارِ إِذَا رَأَى فِعْلًا مِنَ الْأَفْعَالِ كَتَصْرِيحِهِ بِجَوَازِهِ، وَقَدْ أَثْبَتَ الْأُصُولِيُّونَ ذَلِكَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَكَذَلِكَ يَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015