الموافقات (صفحة 2556)

جَعَلَ الْأُصُولِيُّونَ أَفْعَالَهُ فِي بَيَانِ الْأَحْكَامِ كَأَقْوَالِهِ.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، وَثَبَتَ لِلْمُفْتِي أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ النَّبِيِّ وَنَائِبٌ مَنَابَهُ؛ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَفْعَالَهُ مَحَلٌّ لِلِاقْتِدَاءِ أَيْضًا، فَمَا قُصِدَ بِهَا الْبَيَانُ وَالْإِعْلَامُ؛ فَظَاهَرٌ، وَمَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ ذَلِكَ؛ فَالْحُكْمُ فِيهِ كَذَلِكَ أَيْضًا مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ وَارِثٌ، وَقَدْ كَانَ الْمُوَرِّثُ [قُدْوَةً] 1 بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ مُطْلَقًا2؛ فَكَذَلِكَ3 الْوَارِثُ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ وَارِثًا عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَنْتَصِبَ أَفْعَالُهُ مُقْتَدًى بِهَا كَمَا انْتَصَبَتْ أَقْوَالُهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ التَّأَسِّيَ بِالْأَفْعَالِ -بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ يُعظَّم فِي النَّاسِ- سِرٌّ مَبْثُوثٌ فِي طِبَاعِ4 الْبَشَرِ، لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الِانْفِكَاكِ عَنْهُ بِوَجْهٍ وَلَا بِحَالٍ، لَا سِيَّمَا عِنْدَ الِاعْتِيَادِ وَالتَّكْرَارِ، وَإِذَا صَادَفَ مَحَبَّةً وَمَيْلًا إِلَى الْمُتَأَسَّى بِهِ، وَمَتَى وَجَدْتَ5 التَّأَسِّيَ بِمَنْ هَذَا شَأْنُهُ مَفْقُودًا فِي بَعْضِ النَّاسِ؛ فَاعْلَمْ أَنَّهُ إِنَّمَا تُرِكَ لتأسٍ آخَرَ، وَقَدْ ظَهَرَ ذَلِكَ6 فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَحَلَّيْنِ:

أَحَدُهُمَا: حِينَ دَعَاهُمْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ [إِلَى الْخُرُوجِ] مِنَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ، وَمِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ؛ فَكَانَ مِنْ آكَدِ مُتَمَسَّكَاتِهِمُ التَّأَسِّي بِالْآبَاءِ7؛ كَقَوْلِهِ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا}

طور بواسطة نورين ميديا © 2015