غَيْرَ أَنَّ الْفُتْيَا بِمِثْلِ هَذَا اخْتُصَّتْ بِشُيُوخِ الصُّوفِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمُ الْمُبَاشِرُونَ لِأَرْبَابِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ، وَأَمَّا الْفُقَهَاءُ؛ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُونَ فِي الْغَالِبِ مَعَ مَنْ كَانَ طَالِبًا لِحَظِّهِ مِنْ حَيْثُ أَثْبَتَهُ لَهُ الشَّارِعُ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُفْتِيَهُ بِمُقْتَضَاهُ، وَحُدُودُ الْحُظُوظِ مَعْلُومَةٌ فِي فَنِّ الْفِقْهِ، فَلَوْ فَرَضْنَا أَحَدًا جَاءَ سَائِلًا وَحَالُهُ مَا تَقَدَّمَ؛ لَكَانَ عَلَى الْفَقِيهِ أَنْ يُفْتِيَهُ بِمُقْتَضَاهُ، وَلَا يُقَالُ: إِنَّ هَذَا خِلَافَ مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِعُ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ قَدْ صَرَّحَ بِالْجَمِيعِ، لَكِنْ جَعَلَ إِحْدَى الْحَالَتَيْنِ وَهِيَ الْمُتَكَلَّمُ فِيهَا مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَمَحَاسِنِ الشِّيَمِ، وَلَمْ يُلْزِمْهَا أَحَدًا؛ لِأَنَّهَا اخْتِيَارِيَّةٌ فِي الْأَصْلِ بِخِلَافِ الْأُخْرَى الْعَامَّةِ؛ فَإِنَّهَا لَازِمَةٌ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ الْفُتْيَا بِهَا عُمُومًا كَسَائِرِ مَا يَتَكَلَّمُ الْفُقَهَاءُ فِيهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَتْ غَيْرَ لَازِمَةٍ؛ فَلَمْ تَقَعِ الْفُتْيَا بِهَا عَلَى مُقْتَضَى اللُّزُومِ؟
قِيلَ: لَمْ يُفْتِ بِهَا [عَلَى] 1 مُقْتَضَى اللُّزُومِ الَّذِي لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ السَّائِلُ مِنْ حَيْثُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا يفتي لها وَهُوَ طَالِبٌ أَنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ ذَلِكَ حَسْبَمَا اسْتَدْعَاهُ حَالُهُ، وَأَصْلُ الْإِلْزَامِ مَعْمُولٌ بِهِ شَرْعًا؛ أصله النظر والوفاء بالوعد2 في