الزَّكَاةِ، فَإِنَّ أَصْلَ الْهِبَةِ عَلَى الْجَوَازِ، وَلَوْ مَنَعَ الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِ هِبَةٍ لَكَانَ مَمْنُوعًا، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ظَاهِرٌ أَمْرُهُ فِي الْمَصْلَحَةِ أَوِ الْمَفْسَدَةِ، فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا الْقَصْدِ، صَارَ مَآلُ الْهِبَةِ الْمَنْعَ مِنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَهُوَ مَفْسَدَةٌ، وَلَكِنَّ هَذَا بِشَرْطِ الْقَصْدِ إِلَى إِبْطَالِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَمَنْ أَجَازَ الْحِيَلَ كَأَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ اعْتَبَرَ الْمَآلَ أَيْضًا، لَكِنْ عَلَى حُكْمِ الِانْفِرَادِ، فَإِنَّ الْهِبَةَ عَلَى أَيِّ قَصْدٍ كَانَتْ مُبْطِلَةً لِإِيجَابِ الزَّكَاةِ، كَإِنْفَاقِ الْمَالِ عِنْدَ رَأْسِ الْحَوْلِ، وَأَدَاءِ الدَّيْنِ مِنْهُ، وَشِرَاءِ الْعُرُوضِ بِهِ، وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا تَجِبُ فِيهِ زَكَاةٌ، وَهَذَا الْإِبْطَالُ صَحِيحٌ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ عَائِدَةٌ عَلَى الْوَاهِبِ وَالْمُنْفِقِ، لَكِنَّ هَذَا بشرط أن لا يُقْصَدَ إِبْطَالُ الْحُكْمِ، فَإِنَّ هَذَا الْقَصْدَ بِخُصُوصِهِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ عِنَادٌ لِلشَّارِعِ كَمَا إِذَا امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ، فَلَا يُخَالِفُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي أَنَّ قَصْدَ إِبْطَالِ الْأَحْكَامِ صُرَاحًا مَمْنُوعٌ، وَأَمَّا إِبْطَالُهَا ضِمْنًا، فَلَا، وَإِلَّا امْتُنِعَتِ الْهِبَةُ عِنْدَ رَأْسِ الْحَوْلِ مُطْلَقًا، وَلَا يَقُولُ بِهَذَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ.
وَلِذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ الْقَصْدِ بِالْإِيمَانِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهِمَا إِلَى مُجَرَّدِ إِحْرَازِ النَّفْسِ وَالْمَالِ، كَالْمُنَافِقِينَ، وَالْمُرَائِينَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ التَّحَيُّلَ عَلَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بَاطِلٌ عَلَى الْجُمْلَةِ نَظَرًا إِلَى الْمَآلِ، وَالْخِلَافُ إِنَّمَا وَقَعَ فِي أَمْرٍ آخَرَ1.
- وَمِنْهَا: قَاعِدَةُ مُرَاعَاةِ2 الْخِلَافِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَمْنُوعَاتِ فِي الشَّرْعِ إِذَا