الْبَيْعَ إِذَا كَانَ مَصْلَحَةً جَازَ، وَمَا فُعِلَ مِنَ الْبَيْعِ الثَّانِي فَتَحْصِيلٌ لِمَصْلَحَةٍ أُخْرَى مُنْفَرِدَةٍ عَنِ الْأُولَى، فَكُلُّ عُقْدَةٍ مِنْهُمَا لَهَا مَآلُهَا، وَمَآلُهَا فِي ظَاهِرِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ مَصْلَحَةٌ، فَلَا مَانِعَ عَلَى هَذَا؛ إِذْ لَيْسَ ثَمَّ مَآلٌ هُوَ مَفْسَدَةٌ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، وَلَكِنَّ هَذَا بشرط أن لا يَظْهَرَ قَصْدٌ1 إِلَى الْمَآلِ الْمَمْنُوعِ.
وَلِأَجْلِ ذَلِكَ يَتَّفِقُ الْفَرِيقَانِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّعَاوُنُ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ بِإِطْلَاقٍ، وَاتَّفَقُوا فِي خُصُوصِ الْمَسْأَلَةِ2 عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ سَبُّ الْأَصْنَامِ حَيْثُ يَكُونُ سَبَبًا فِي سَبِّ اللَّهِ، عَمَلًا بِمُقْتَضَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الْأَنْعَامِ: 108] ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ الَّتِي اتَّفَقَ مَالِكٌ مَعَ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَنْعِ التَّوَسُّلِ فِيهَا.
وَأَيْضًا، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّهُ يَجُوزُ التَّذَرُّعُ إِلَى الرِّبَا بِحَالٍ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَتَّهِمُ مَنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ قَصْدٌ إِلَى الْمَمْنُوعِ وَمَالِكٌ يتَّهم بِسَبَبِ ظُهُورِ فِعْلِ اللَّغْوِ3، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى الْقَصْدِ إِلَى الْمَمْنُوعِ، فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ قَاعِدَةَ الذَّرَائِعِ مُتَّفَقٌ عَلَى اعْتِبَارِهَا فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أمر آخر4.