الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ، وَقَدْ فَرَضَ الْعُلَمَاءُ مَسَائِلَ مِمَّا لَا يَجُوزُ الْفُتْيَا بِهَا وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فِي نَظَرِ الْفِقْهِ، كَمَا ذَكَرَ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي مَسْأَلَةِ1 الدَّوْرِ فِي الطَّلَاقِ، لِمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ مِنْ رَفْعِ حُكْمِ الطَّلَاقِ، بِإِطْلَاقٍ وَهُوَ مَفْسَدَةٌ.
مِنْ ذَلِكَ سُؤَالُ الْعَوَامِّ عَنْ عِلَلِ مَسَائِلِ الْفِقْهِ وَحُكْمِ التَّشْرِيعَاتِ، وَإِنْ كَانَ لَهَا عِلَلٌ صَحِيحَةٌ وَحِكَمٌ مُسْتَقِيمَةٌ، وَلِذَلِكَ أَنْكَرَتْ عَائِشَةُ عَلَى مَنْ قَالَتْ: لِمَ تَقْضِي الْحَائِضُ الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ؟ وقالت لها: أحروية أَنْتِ2؟ وَقَدْ ضَرَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ صَبِيغًا وَشَرَّدَ بِهِ لَمَّا كَانَ كَثِيرَ السُّؤَالِ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ عُلُومِ الْقُرْآنِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا عمل3، وربما أوقع خيالًا وَفِتْنَةً وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا، وَتَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عَبَسَ: 31] . فَقَالَ: هَذِهِ الْفَاكِهَةُ، فَمَا الْأَبُّ؟ ثُمَّ قَالَ: مَا أُمِرْنَا بِهَذَا4.
إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ عِلْمٍ يُبَثُّ وَيُنْشَرُ5 وَإِنْ كَانَ حَقًّا وَقَدْ أَخْبَرَ مَالِكٌ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّ عِنْدَهُ أَحَادِيثَ وَعِلْمًا مَا تَكَلَّمَ فِيهَا وَلَا حَدَّثَ بِهَا، وَكَانَ يَكْرَهُ الْكَلَامَ فِيمَا لَيْسَ تَحْتَهُ عَمَلٌ، وَأُخْبِرَ عَمَّنْ تَقَدَّمَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ