وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَاب} [آلِ عِمْرَانَ: 7] ؛ فَجَعَلَ الْمُحْكَمَ -وَهُوَ الْوَاضِحُ الْمَعْنَى الَّذِي لَا إِشْكَالَ فِيهِ وَلَا اشْتِبَاهَ- هُوَ الأمُّ والأصلَ الْمَرْجُوعَ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آلِ عِمْرَانَ: 7] ، يُرِيدُ: وَلَيْسَتْ بِأُمٍّ وَلَا مُعْظَمٍ، فَهِيَ إِذًا قَلَائِلُ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ اتِّبَاعَ الْمُتَشَابِهِ مِنْهَا شَأْنُ أَهْلِ الزَّيْغِ وَالضَّلَالِ عَنِ الْحَقِّ وَالْمَيْلِ عَنِ الْجَادَّةِ، وَأَمَّا الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، فَلَيْسُوا كَذَلِكَ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا بِاتِّبَاعِهِمْ أُمَّ الْكِتَابِ وَتَرْكِهِمْ الِاتِّبَاعَ لِلْمُتَشَابِهِ1.
وَأُمُّ الْكِتَابِ يَعُمُّ مَا هُوَ مِنَ الْأُصُولِ الِاعْتِقَادِيَّةِ أَوِ الْعَمَلِيَّةِ2؛ إِذْ لَمْ يَخُصَّ الْكِتَابُ ذَلِكَ وَلَا السُّنَّةُ، بَلْ ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحِ" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "افترقتِ اليهودُ على إحدى أو اثنتين وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفَرَّقَتِ النَّصَارَى عَلَى إِحْدَى أَوِ اثْنَيْنِ3 وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وسبعين فرقة" 4.