وَالسَّلَامُ: "بُعِْثتُ بالحَنيفِيَِّة السَّمْحة" 1 يَقْتَضِي جَوَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنَ اللُّطْفِ بِالْعَبْدِ وَالشَّرِيعَةُ لَمْ تَرِدْ بِقَصْدِ مشاقِّ الْعِبَادِ، بَلْ بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ بِمَا تَقَدَّمَ [مَا] 2 فِي هَذَا الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ الْحَنِيفِيَّةَ السَّمْحَةَ إِنَّمَا أَتَى فِيهَا السَّمَاحُ مُقَيَّدًا بِمَا هُوَ جَارٍ عَلَى أُصُولِهَا، وَلَيْسَ تَتَبُّعُ الرُّخَصِ وَلَا اخْتِيَارُ الْأَقْوَالِ بِالتَّشَهِّي بِثَابِتٍ مِنْ أُصُولِهَا؛ فَمَا قَالَهُ عَيْنُ الدَّعْوَى.
ثُمَّ نَقُولُ: تَتَبُّعُ الرُّخَصِ مَيْلٌ مَعَ أَهْوَاءِ النُّفُوسِ، وَالشَّرْعُ جَاءَ بِالنَّهْيِ عَنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى؛ فَهَذَا مُضَادٌّ لِذَلِكَ الْأَصْلِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَمُضَادٌّ أَيْضًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النِّسَاءِ: 59] ، وَمَوْضِعُ الْخِلَافِ مَوْضِعُ تَنَازُعٍ؛ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَدَّ إِلَى أَهْوَاءِ النُّفُوسِ، وَإِنَّمَا يُرَدُّ إِلَى الشَّرِيعَةِ، وَهِيَ تُبَيِّنُ الرَّاجِحَ مِنَ الْقَوْلَيْنِ فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ لَا الْمُوَافِقِ لِلْغَرَضِ.
فَصْلٌ:
وَرُبَّمَا اسْتَجَازَ هَذَا بَعْضُهُمْ فِي مُوَاطِنَ يَدَّعِي فِيهَا الضَّرُورَةَ وَإِلْجَاءَ الْحَاجَةِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الضَّرُورَاتِ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ؛ فَيَأْخُذُ عِنْدَ ذَلِكَ بِمَا يُوَافِقُ الْغَرَضَ حَتَّى إِذَا نَزَلَتِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى حَالَةٍ لَا ضَرُورَةَ فِيهَا، وَلَا حَاجَةَ إِلَى الْأَخْذِ بِالْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ أَوِ الْخَارِجِ3 عَنِ الْمَذْهَبِ، أَخَذَ فِيهَا بِالْقَوْلِ الْمَذْهَبِيِّ أَوِ الرَّاجِحِ فِي الْمَذْهَبِ فَهَذَا أَيْضًا مِنْ ذَلِكَ الطِّرَازِ الْمُتَقَدِّمِ، فَإِنَّ حَاصِلَهُ الْأَخْذُ بِمَا يُوَافِقُ الْهَوَى الْحَاضِرَ، وَمَحَالُّ الضَّرُورَاتِ مَعْلُومَةٌ مِنَ الشريعة، فإن كانت هذه المسألة