{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الْإِنْسَانِ: 3] .
{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْن} [الْبَلَدِ: 10] .
وَعَامَّةُ الْأَقْوَالِ الْجَارِيَةِ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ إِنَّمَا تَدُورُ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ1، وَالْهَوَى لَا يَعْدُوهُمَا، فَإِذَا عَرَضَ الْعَامِّيُّ نَازِلَتَهُ عَلَى الْمُفْتِي؛ فَهُوَ قَائِلٌ لَهُ: "أَخْرِجْنِي عَنْ هَوَايَ وَدُلَّنِي عَلَى اتِّبَاعِ الْحَقِّ"؛ فَلَا يُمْكِنُ -وَالْحَالُ هَذِهِ- أَنْ يَقُولَ لَهُ: "فِي مَسْأَلَتِكَ قَوْلَانِ؛ فَاخْتَرْ لِشَهْوَتِكَ أَيَّهُمَا شِئْتَ؟ ". فَإِنَّ مَعْنَى هَذَا تَحْكِيمُ الْهَوَى دُونَ الشَّرْعِ2، وَلَا يُنْجِيهِ مِنْ هَذَا أَنْ يَقُولَ: مَا فَعَلْتُ إِلَّا بِقَوْلِ عَالِمٍ؛ لِأَنَّهُ حِيلَةٌ مِنْ جُمْلَةِ الْحِيَلِ الَّتِي تَنْصِبُهَا النَّفْسُ، وِقَايَةً عَنِ الْقَالِ وَالْقِيلِ، وَشَبَكَةٌ لِنَيْلِ الْأَغْرَاضِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَتَسْلِيطُ الْمُفْتِي الْعَامِّيَّ عَلَى تَحْكِيمِ الْهَوَى بَعْدَ أَنْ طَلَبَ مِنْهُ إِخْرَاجَهُ عَنْ هَوَاهُ رَمْيٌ فِي عِمَايَةٍ، وَجَهْلٌ بِالشَّرِيعَةِ، وَغِشٌّ فِي النَّصِيحَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى جارٍ فِي الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ، وَالتَّوْفِيقُ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى.
فَصْلٌ:
وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى مَنْ مَنَعَ مِنْ تَتَبُّعِ3 رُخَصِ الْمَذَاهِبِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَجُوزُ الِانْتِقَالُ إِلَى مَذْهَبٍ بِكَمَالِهِ؛ فَقَالَ: إِنْ أراد المانع ما هو على خلاف