الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِين} . هَذَا مُخْتَصَرُ مَا قَالَ1.
وَالْقَائِلُ بِهَذَا رَاجِعٌ إِلَى أَنْ يَتْبَعَ مَا يَشْتَهِيهِ، وَيَجْعَلَ الْقَوْلَ الْمُوَافِقَ حُجَّةً لَهُ وَيَدْرَأَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ، فَهُوَ قَدْ أَخَذَ الْقَوْلَ وَسِيلَةً إِلَى اتِّبَاعِ هَوَاهُ، لَا وَسِيلَةً إِلَى تَقْوَاهُ، وَذَلِكَ أَبْعَدُ [لَهُ] 2 مِنْ أَنْ يَكُونَ مُمْتَثِلًا لِأَمْرِ الشَّارِعِ، وَأَقْرَبُ إِلَى أَنْ يَكُونَ مِمَّنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ.
وَمِنْ هَذَا أَيْضًا جَعْلُ بَعْضِ النَّاسِ الِاخْتِلَافَ رَحْمَةً لِلتَّوَسُّعِ3 فِي الْأَقْوَالِ، وَعَدَمِ التَّحْجِيرِ عَلَى رَأْيٍ وَاحِدٍ، وَيُحْتَجُّ فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعُمَرِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ4، وَيَقُولُ: إِنَّ الِاخْتِلَافَ رَحْمَةٌ، وَرُبَّمَا صَرَّحَ صَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ بِالتَّشْنِيعِ عَلَى مَنْ لَازَمَ الْقَوْلَ الْمَشْهُورَ أَوِ الْمُوَافِقَ لِلدَّلِيلِ أَوِ الرَّاجِحَ عند أهل النظر والذي5 عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ، وَيَقُولُ لَهُ: لَقَدْ حَجَرْتَ وَاسِعًا، وَمِلْتَ بِالنَّاسِ إِلَى الْحَرَجِ، وَمَا فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَهَذَا الْقَوْلُ خَطَأٌ كُلُّهُ، وَجَهْلٌ بِمَا وُضِعَتْ لَهُ الشَّرِيعَةُ، وَالتَّوْفِيقُ بِيَدِ اللَّهِ.
وَقَدْ مَرَّ مِنَ الدَّلِيلِ عَلَى خِلَافِ مَا قَالُوهُ مَا فِيهِ كفاية، والحمد لله ولكن تقرر منه ههنا بعضا على وجه لم يتقدم مثله، ذلك أَنَّ الْمُتَخَيِّرَ بِالْقَوْلَيْنِ مَثَلًا بِمُجَرَّدِ مُوَافَقَةِ الْغَرَضِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَاكِمًا بِهِ، أَوْ مُفْتِيًا، أَوْ مُقَلِّدًا عَامِلًا بِمَا أَفْتَاهُ بِهِ الْمُفْتِي.