الْخِلَافِ؛ كَمَا إِذَا اخْتَلَفَ الْمُجْتَهِدُونَ عَلَى قَوْلَيْنِ؛ فَوَرَدَتْ كَذَلِكَ عَلَى الْمُقَلِّدِ؛ فَقَدْ يَعُدُّ بَعْضُ النَّاسِ الْقَوْلَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ مُخَيَّرًا فِيهِمَا كَمَا يُخَيَّرُ فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ؛ فَيَتَّبِعُ هَوَاهُ وَمَا يُوَافِقُ غَرَضَهُ دُونَ مَا يُخَالِفُهُ، وَرُبَّمَا اسْتَظْهَرَ عَلَى ذَلِكَ بِكَلَامِ بَعْضِ الْمُفْتِينَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَوَّاهُ بِمَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ" 1، وَقَدْ مَرَّ الْجَوَابُ عَنْهُ، وَإِنْ صَحَّ؛ فَهُوَ مَعْمُولٌ بِهِ فِيمَا إِذَا ذَهَبَ الْمُقَلِّدُ عَفْوًا فَاسْتَفْتَى صَحَابِيًّا أَوْ غَيْرَهُ فَقَلَّدَهُ فِيمَا أَفْتَاهُ بِهِ فِيمَا لَهُ أَوْ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إِذَا تَعَارَضَ عِنْدَهُ قَوْلَا مُفْتِيَيْنِ؛ فَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ بِدَاخِلٍ تَحْتَ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَّبِعٌ لِدَلِيلٍ عِنْدَهُ يَقْتَضِي ضِدَّ مَا يَقْتَضِيهِ دَلِيلُ صَاحِبِهِ؛ فَهُمَا صَاحِبَا دَلِيلَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ، فَاتِّبَاعُ أَحَدِهِمَا بِالْهَوَى اتِّبَاعٌ لِلْهَوَى، وَقَدْ مَرَّ مَا فِيهِ؛ فَلَيْسَ إِلَّا التَّرْجِيحُ بِالْأَعْلَمِيَّةِ وَغَيْرِهَا2.
وَأَيْضًا فَالْمُجْتَهِدَانِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَامِّيِّ كَالدَّلِيلَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُجْتَهِدِ فَكَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ، التَّرْجِيحُ أَوِ التَّوَقُّفُ كَذَلِكَ الْمُقَلِّدُ، وَلَوْ جَازَ تَحْكِيمُ3 التَّشَهِّي وَالْأَغْرَاضِ فِي مِثْلِ هَذَا؛ لَجَازَ لِلْحَاكِمِ وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ.
وَأَيْضًا؛ فَإِنَّ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ ضَابِطًا قُرْآنِيًّا يَنْفِي اتباع الهوى جملة.