والمنسوخ على الجملة، وحذروا من الجهل وَالْخَطَأِ فِيهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا بَيْنَ دَلِيلَيْنِ يَتَعَارَضَانِ بِحَيْثُ لَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُهُمَا بِحَالٍ، وَإِلَّا لَمَا كَانَ أَحَدُهُمَا نَاسِخًا وَالْآخَرُ مَنْسُوخًا، وَالْفَرْضُ خِلَافُهُ؛ فَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ مِنَ الدِّينِ لَمَا كَانَ لِإِثْبَاتِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ -مِنْ غَيْرِ نَصٍّ قَاطِعٍ فِيهِ- فَائِدَةٌ، وَلَكَانَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ كَلَامًا فِيمَا لَا يَجْنِي ثَمَرَةً؛ إِذْ كَانَ يَصِحُّ الْعَمَلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ابْتِدَاءً وَدَوَامًا، اسْتِنَادًا إِلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ، لَكِنَّ هَذَا كُلَّهُ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعٍ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرِيعَةِ، وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي كُلِّ
دَلِيلٍ مَعَ مُعَارِضِهِ؛ كَالْعُمُومِ2 وَالْخُصُوصِ، وَالْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ، وَمَا أَشْبَهَ3 ذَلِكَ؛ فَكَانَتْ تَنْخَرِمُ هَذِهِ الْأُصُولُ كُلُّهَا، وَذَلِكَ فَاسِدٌ؛ فَمَا
أَدَّى إِلَيْهِ مِثْلُهُ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الشَّرِيعَةِ مَسَاغٌ لِلْخِلَافِ لَأَدَّى إِلَى تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَيْنِ إِذَا فَرَضْنَا تَعَارُضَهُمَا وَفَرَضْنَاهُمَا مَقْصُودَيْنِ مَعًا لِلشَّارِعِ؛ فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْمُكَلَّفَ مَطْلُوبٌ بِمُقْتَضَاهُمَا، أَوْ لَا، أَوْ مَطْلُوبٌ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، وَالْجَمِيعُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ فَالْأَوَّلُ يَقْتَضِي "افْعَلْ"، "لَا تَفْعَلْ" لِمُكَلَّفٍ وَاحِدٍ.