وَفَسَّرُوا ذَلِكَ بَعْدَ الِاعْتِرَافِ بِهِ بِأَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ حَدِيثٍ، وَكِتَابُ سِيبَوَيْهِ يُتَعَلَّمُ مِنْهُ النَّظَرُ وَالتَّفْتِيشُ، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّ سِيبَوَيْهِ وَإِنْ تَكَلَّمَ فِي النَّحْوِ، فَقَدْ نَبَّهَ فِي كَلَامِهِ عَلَى مَقَاصِدِ الْعَرَبِ، وَأَنْحَاءِ تَصَرُّفَاتِهَا فِي أَلْفَاظِهَا وَمَعَانِيهَا، وَلَمْ يَقْتَصِرْ فِيهِ عَلَى بَيَانِ أَنَّ الْفَاعِلَ مَرْفُوعٌ وَالْمَفْعُولَ مَنْصُوبٌ وَنَحْوِ ذَلِكَ، بَلْ هُوَ يُبَيِّنُ فِي كُلِّ بَابٍ مَا يَلِيقُ بِهِ، حَتَّى إِنَّهُ احْتَوَى عَلَى عِلْمِ الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ وَوُجُوهِ تَصَرُّفَاتِ الْأَلْفَاظِ وَالْمَعَانِي، وَمِنْ هُنَالِكَ كَانَ الْجَرْمِيُّ عَلَى مَا قَالَ، وَهُوَ كَلَامٌ يُرْوَى عَنْهُ فِي صَدْرِ1 "كِتَابِ سِيبَوَيْهِ" مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ.
وَلَا يُقَالُ: إِنَّ الْأُصُولِيِّينَ قَدْ نَفَوْا هَذِهِ الْمُبَالَغَةَ فِي فَهْمِ الْعَرَبِيَّةِ؛ فَقَالُوا: لَيْسَ عَلَى الْأُصُولِيِّ أَنْ يَبْلُغَ فِي الْعَرَبِيَّةِ مَبْلَغَ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَالْأَصْمَعِيِّ، الْبَاحِثِينَ عَنْ دَقَائِقِ الْإِعْرَابِ وَمُشْكِلَاتِ اللُّغَةِ، وَإِنَّمَا يَكْفِيهِ أَنْ يَحْصُلَ مِنْهَا مَا تَتَيَسَّرُ بِهِ مَعْرِفَةُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ بِالْكِتَابِ2 وَالسُّنَّةِ.
لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ3 تَقْرِيرُهُ، وَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ4 فِي هَذَا الشَّرْطِ: "إِنَّهُ الْقَدْرُ الَّذِي يُفْهَمُ بِهِ خِطَابُ الْعَرَبِ وَعَادَتَهُمْ فِي الِاسْتِعْمَالِ، حَتَّى يُمَيَّزَ5 بَيْنَ صَرِيحِ الْكَلَامِ وَظَاهِرِهِ وَمُجْمَلِهِ6، وَحَقِيقَتِهِ ومجازه، وعامه وخاصه،