اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ ثَانِيًا، لَكِنْ لَا تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْفَهْمِ إِلَّا فِي الِاسْتِنْبَاطِ؛ فَلِذَلِكَ جُعِلَ شَرْطًا ثَانِيًا، وَإِنَّمَا كَانَ الْأَوَّلُ هُوَ السَّبَبَ فِي بُلُوغِ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ وَالثَّانِي وَسِيلَةٌ.
لَكِنَّ1 هَذِهِ الْمَعَارِفَ تَارَةً يَكُونُ الْإِنْسَانُ عَالِمًا بِهَا مُجْتَهِدًا فِيهَا، وَتَارَةً يَكُونُ حَافِظًا لَهَا مُتَمَكِّنًا مِنَ الِاطِّلَاعِ عَلَى مَقَاصِدِهَا غَيْرَ بَالِغٍ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ فِيهَا، وَتَارَةً يَكُونُ غَيْرَ حَافِظٍ وَلَا عَارِفٍ؛ إِلَّا أَنَّهُ عَالِمٌ بِغَايَتِهَا وَأَنَّ لَهُ افْتِقَارًا2 إِلَيْهَا فِي مَسْأَلَتِهِ الَّتِي يَجْتَهِدُ فِيهَا؛ فَهُوَ بِحَيْثُ إِذَا عَنَّتْ لَهُ مَسْأَلَةٌ يَنْظُرُ فِيهَا زَاوَلَ أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ بِتِلْكَ الْمَعَارِفِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَسْأَلَتِهِ؛ فَلَا يَقْضِي فِيهَا إِلَّا بِمَشُورَتِهِمْ، وَلَيْسَ بَعْدَ هَذِهِ الْمَرَاتِبِ الثَّلَاثِ مَرْتَبَةٌ يُعْتَدُّ بِهَا فِي نَيْلِ الْمَعَارِفِ الْمَذْكُورَةِ.
فَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا فِيهَا كَمَا كَانَ مَالِكٌ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ، وَالشَّافِعِيُّ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ؛ فَلَا إِشْكَالَ، وَإِنْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنَ الِاطِّلَاعِ عَلَى مَقَاصِدِهَا كَمَا قَالُوا فِي الشَّافِعِيِّ3 وَأَبِي حَنِيفَةَ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ؛ فَكَذَلِكَ أَيْضًا لَا إِشْكَالَ فِي صِحَّةِ اجْتِهَادِهِ، وَإِنْ كَانَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ؛ فَإِنْ تَهَيَّأَ لَهُ الِاجْتِهَادُ فِي اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ مَعَ كَوْنِ الْمُجْتَهِدِ فِي تِلْكَ الْمَعَارِفِ كَذَلِكَ4؛ فَكَالثَّانِي وإلا؛ فكالعدم.