تَحَقَّقَ لَهُ مَنَاطُ الْحُكْمِ؛ فَأَجْرَاهُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ تَكْلِيفَاتِهِ، وَلَوْ فُرِضَ ارْتِفَاعُ هَذَا الِاجْتِهَادِ لَمْ تَتَنَزَّلِ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ عَلَى أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ إِلَّا فِي الذِّهْنِ؛ لِأَنَّهَا مُطْلَقَاتٌ وَعُمُومَاتٌ وَمَا يَرْجِعُ إِلَى ذَلِكَ، مُنْزَلَاتٌ عَلَى أَفْعَالٍ مُطْلَقَاتٍ كَذَلِكَ، وَالْأَفْعَالُ لَا تَقَعُ فِي الْوُجُودِ مُطْلَقَةً، وَإِنَّمَا تَقَعُ مُعَيَّنَةً مُشَخَّصَةً؛ فَلَا يَكُونُ الْحُكْمُ وَاقِعًا عَلَيْهَا إِلَّا بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِأَنَّ هَذَا الْمُعَيَّنَ يَشْمَلُهُ ذَلِكَ الْمُطْلَقُ أَوْ ذَلِكَ الْعَامُّ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ سَهْلًا وَقَدْ لَا يَكُونُ، وَكُلُّهُ اجْتِهَادٌ.
وَقَدْ يَكُونُ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ مَا يَصِحُّ فِيهِ التَّقْلِيدُ، وَذَلِكَ فِيمَا اجْتَهَدَ فِيهِ الْأَوَّلُونَ مِنْ تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ إِذَا كَانَ مُتَوَجِّهًا عَلَى الْأَنْوَاعِ لَا عَلَى الْأَشْخَاصِ الْمُعَيَّنَةِ؛ كَالْمِثْلِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ، فَإِنَّ الَّذِي جَاءَ فِي الشَّرِيعَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [الْمَائِدَةِ: 95] .
وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي اعْتِبَارِ الْمِثْلِ؛ إِلَّا أَنَّ الْمِثْلَ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ نَوْعِهِ، وَكَوْنِهِ مَثَلًا لِهَذَا النَّوْعِ الْمَقْتُولِ؛ كَكَوْنِ الْكَبْشِ مَثَلًا لِلضَّبْعِ، وَالْعَنْزِ مَثَلًا لِلْغَزَالِ، وَالْعَنَاقِ1 مَثَلًا لِلْأَرْنَبِ، وَالْبَقَرَةِ مَثَلًا لِلْبَقَرَةِ الْوَحْشِيَّةِ، وَالشَّاةِ مَثَلًا لِلشَّاةِ مِنَ الظِّبَاءِ، وَكَذَلِكَ الرَّقَبَةُ الْوَاجِبَةُ2 فِي عِتْقِ الْكَفَّارَاتِ، وَالْبُلُوغُ3 فِي الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ هَذَا الِاجْتِهَادَ فِي الْأَنْوَاعِ لَا يُغْنِي عَنِ الِاجْتِهَادِ فِي الْأَشْخَاصِ الْمُعَيَّنَةِ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الِاجْتِهَادِ4 فِي كُلِّ زَمَانٍ؛ إِذْ لَا يُمْكِنُ