لِأَنَّا نَقُولُ: بَلْ هُمَا دَاخِلَانِ لِأَنَّ عَدَمَ الْحَرَجِ مَعَ فِعْلِ الْوَاجِبِ1 لَازِمٌ لِلْمُوَافَقَةِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ إِنَّمَا يُعْتَبَرَانِ فِي الِاقْتِضَاءِ قَصْدًا مِنْ جِهَةِ الْفِعْلِ، وَمِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ صَارَا لَا حَرَجَ فِيهِمَا، بِخِلَافِ الْمَكْرُوهِ؛ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الِاقْتِضَاءِ مِنْ جِهَةِ التَّرْكِ، لا من جهة الفعل، و"أن لَا حَرَجَ"2 رَاجِعٌ إِلَى الْفِعْلِ؛ فَلَا يَتَوَافَقَانِ، وَإِلَّا؛ فَكَيْفَ يَتَوَافَقَانِ وَالنَّهْيُ يُصَادِمُ عَدَمَ الْحَرَجِ فِي الْفِعْلِ؟
فَإِنْ قِيلَ: مِنْ مَسَائِلِ كِتَابِ الْأَحْكَامِ أَنَّ الْمَكْرُوهَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ مِنْ جِهَةِ الْفِعْلِ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ مَعْفُوًّا عَنْهُ هُوَ مَعْنَى عَدَمِ الْحَرَجِ فِيهِ، وَأَنْتَ تُثْبِتُ هُنَا الْحَرَجَ بِهَذَا الْكَلَامِ.
قِيلَ: كَلَّا، بَلِ الْمُرَادُ هُنَا غَيْرُ الْمُرَادِ هُنَالِكَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَالِكَ فِيمَا بَعْدَ الْوُقُوعِ لَا فِيمَا قَبْلَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فَاعِلَ الْمَكْرُوهِ مُصَادِمٌ لِلنَّهْيِ بَحْتًا3 كَمَا هُوَ مُصَادِمٌ فِي الْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ وَلَكِنَّ خِفَّةَ شأن المكروه وقلة مفسدته صيرته بعدما وَقَعَ فِي حُكْمِ مَا لَا حَرَجَ فِيهِ؛ اسْتِدْرَاكًا لَهُ مِنْ رِفْقِ الشَّارِعِ بِالْمُكَلَّفِ، وَمِمَّا يَتَقَدَّمُهُ مِنْ فِعْلِ الطَّاعَاتِ تَشْبِيهًا لَهُ بِالصَّغِيرَةِ الَّتِي يُكَفِّرُهَا كَثِيرٌ مِنَ الطَّاعَاتِ؛ كَالطَّهَارَاتِ، وَالصَّلَوَاتِ، وَالْجُمُعَاتِ، وَرَمَضَانَ، وَاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، وَسَائِرِ مَا ثَبَتَ مِنْ ذَلِكَ فِي الشَّرِيعَةِ، وَالصَّغِيرَةُ أَعْظَمُ مِنَ الْمَكْرُوهِ؛ فَالْمَكْرُوهُ أَوْلَى بِهَذَا الْحُكْمِ، فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً.
وَأَمَّا مَا ذُكِرَ هُنَا مِنْ مُصَادَمَةِ النَّهْيِ لِرَفْعِ الْحَرَجِ؛ فَنَظَرٌ إِلَى مَا قَبْلَ الْوُقُوعِ، وَلَا مِرْيَةَ فِي أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ؛ فَلَا يُمْكِنُ وَالْحَالُ هَذِهِ أَنْ يَدْخُلَ المكروه تحت