وَهِيَ: الضَّرُورِيَّاتُ، وَالْحَاجِيَّاتُ، وَالتَّحْسِينَاتُ، وَمَا هُوَ مُكَمِّلٌ لَهَا وَمُتَمَّمٌ لِأَطْرَافِهَا، وَهِيَ أُصُولُ الشَّرِيعَةِ، وَقَدْ قَامَ الْبُرْهَانُ الْقَطْعِيُّ عَلَى اعْتِبَارِهَا، وَسَائِرُ الْفُرُوعِ مُسْتَنِدَةٌ إِلَيْهَا؛ فَلَا إِشْكَالَ فِي أَنَّهَا عِلْمٌ أَصِيلٌ، رَاسِخُ الْأَسَاسِ، ثَابِتُ الْأَرْكَانِ.
هَذَا وَإِنْ كَانَتْ وَضْعِيَّةً لَا عَقْلِيَّةً؛ فَالْوَضْعِيَّاتُ قَدْ تُجَارِي الْعَقْلِيَّاتِ فِي إِفَادَةِ الْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ، وَعِلْمُ الشَّرِيعَةِ مِنْ جُمْلَتِهَا؛ إِذِ الْعِلْمُ بِهَا مُسْتَفَادٌ مِنَ الاستقراء التام1 النَّاظِمِ لِأَشْتَاتِ أَفْرَادِهَا، حَتَّى تَصِيرَ فِي الْعَقْلِ مَجْمُوعَةً فِي كُلِّيَّاتٍ مُطَّرِدَةٍ، عَامَّةٍ، ثَابِتَةٍ غَيْرِ زَائِلَةٍ وَلَا مُتَبَدِّلَةٍ، وَحَاكِمَةٍ غَيْرِ مَحْكُومٍ عَلَيْهَا، وَهَذِهِ خَوَاصُّ الْكُلِّيَّاتِ الْعَقْلِيَّاتِ2.
وَأَيْضًا؛ فَإِنَّ الْكُلِّيَّاتِ الْعَقْلِيَّةَ مُقْتَبَسَةٌ مِنَ الْوُجُودِ، وَهُوَ أَمْرٌ وَضْعِيٌّ لَا عَقْلِيٌّ؛ فَاسْتَوَتْ مَعَ الْكُلِّيَّاتِ الشَّرْعِيَّةِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَارْتَفَعَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا.
فَإِذًا لِهَذَا الْقِسْمِ3 خَوَاصٌّ ثَلَاثٌ، بِهِنَّ يَمْتَازُ عَنْ غَيْرِهِ:
إِحْدَاهَا:
الْعُمُومُ وَالِاطِّرَادُ؛ فَلِذَلِكَ جَرَتِ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ فِي أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَإِنْ كَانَتْ آحَادُهَا الْخَاصَّةُ لَا تَتَنَاهَى؛ فَلَا عَمَلَ يُفرض, وَلَا حَرَكَةَ وَلَا سُكُونَ يُدَّعَى، إِلَّا وَالشَّرِيعَةُ عَلَيْهِ حَاكِمَةٌ إِفْرَادًا وَتَرْكِيبًا، وَهُوَ مَعْنَى كَوْنِهَا عَامَّةٌ، وَإِنْ فُرِضَ فِي نُصُوصِهَا أَوْ مَعْقُولِهَا خُصُوصٌ مَا؛ فَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى عُمُومٍ؛ كَالْعَرَايَا، وَضَرْبِ الدية على العاقلة، والقراض،