الموافقات (صفحة 1954)

الدليل الأول: الكتاب

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى:

إِنَّ الْكِتَابَ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ1 كُلِّيَّةُ الشَّرِيعَةِ، وَعُمْدَةُ الْمِلَّةِ، وَيَنْبُوعُ الْحِكْمَةِ، وَآيَةُ الرِّسَالَةِ، وَنُورُ الْأَبْصَارِ وَالْبَصَائِرِ، وَأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إِلَى اللَّهِ سِوَاهُ، وَلَا نَجَاةَ بِغَيْرِهِ، وَلَا تَمَسُّكَ بِشَيْءٍ يُخَالِفُهُ، وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَقْرِيرٍ وَاسْتِدْلَالٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ دِينِ الْأُمَّةِ2، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لَزِمَ ضَرُورَةً لِمَنْ رَامَ الِاطِّلَاعَ عَلَى كُلِّيَّاتِ الشَّرِيعَةِ وَطَمِعَ فِي إِدْرَاكِ مَقَاصِدِهَا، وَاللِّحَاقِ بِأَهْلِهَا، أَنْ يَتَّخِذَهُ سَمِيرَهُ وَأَنِيسَهُ، وَأَنْ يَجْعَلَهُ جَلِيسَهُ عَلَى مَرِّ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي؛ نَظَرًا وَعَمَلًا، لَا اقْتِصَارًا عَلَى أَحَدِهِمَا؛ فَيُوشِكُ أَنْ يَفُوزَ بِالْبُغْيَةِ، وَأَنْ يَظْفَرَ بالطلبة، ويجد نفسه من السابقين في الرَّعِيلِ الْأَوَّلِ3، فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ، ولا يقدر عليه إلا من زاول مَا يُعِينُهُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ السُّنَّةِ الْمُبَيِّنَةِ لِلْكِتَابِ، وَإِلَّا؛ فَكَلَامُ الْأَئِمَّةِ السَّابِقِينَ، وَالسَّلَفِ الْمُتَقَدِّمِينَ آخِذٌ بِيَدِهِ فِي هَذَا الْمَقْصِدِ الشَّرِيفِ، وَالْمَرْتَبَةِ الْمُنِيفَةِ.

وَأَيْضًا4؛ فَمِنْ حَيْثُ كَانَ الْقُرْآنُ مُعْجِزًا أَفْحَمَ الْفُصَحَاءَ، وَأَعْجَزَ الْبُلَغَاءَ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ؛ فَذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ عَرَبِيًّا جَارِيًا عَلَى أَسَالِيبِ كَلَامِ الْعَرَبِ، مُيَسَّرًا لِلْفَهْمِ فِيهِ عَنِ اللَّهِ مَا أَمَرَ بِهِ وَنَهَى، لَكِنْ بِشَرْطِ الدُّرْبَةِ فِي اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ، كَمَا تَبَيَّنَ فِي كِتَابِ الِاجْتِهَادِ؛ إِذْ لَوْ خَرَجَ بِالْإِعْجَازِ عَنْ إِدْرَاكِ الْعُقُولِ مَعَانِيهِ؛ لَكَانَ خِطَابُهُمْ بِهِ مِنْ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ، وَذَلِكَ مَرْفُوعٌ عَنِ الْأُمَّةِ، وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْوُجُوهِ الْإِعْجَازِيَّةِ فِيهِ؛ إِذْ مِنَ الْعَجَبِ إِيرَادُ كَلَامٍ مِنْ جِنْسِ كَلَامِ الْبَشَرِ فِي اللِّسَانِ وَالْمَعَانِي وَالْأَسَالِيبِ، مَفْهُومٌ مَعْقُولٌ، ثُمَّ لَا يَقْدِرُ الْبَشَرُ عَلَى الإتيان بسورة مثله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015