الموافقات (صفحة 1952)

غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ النَّظَرِ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْمَقْصُودَ الشَّرْعِيَّ مِنَ الْخِطَابِ الْوَارِدِ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ تَفْهِيمُ مَا لَهُمْ وَمَا عَلَيْهِمْ، مِمَّا هُوَ مَصْلَحَةٌ لَهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ، وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ بَيِّنًا وَاضِحًا لَا إِجْمَالَ فِيهِ وَلَا اشْتِبَاهَ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ بِحَسَبِ هَذَا الْقَصْدِ اشْتِبَاهٌ وَإِجْمَالٌ؛ لَنَاقَضَ أَصْلَ مَقْصُودِ الْخِطَابِ، فَلَمْ تَقَعْ فَائِدَةٌ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ مِنْ جِهَةِ رَعْيِ الْمَصَالِحِ؛ تَفَضُّلًا، أَوِ انْحِتَامًا، أَوْ عَدَمِ1 رَعْيِهَا؛ إِذْ لَا يُعْقَلُ خِطَابٌ مَقْصُودٌ مِنْ غَيْرِ تَفْهِيمٍ مَقْصُودٍ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى امْتِنَاعِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَّةِ2؛ إِلَّا عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ تَكْلِيفَ الْمُحَالِ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ امْتِنَاعِ تَكْلِيفِ الْمُحَالِ سَمْعًا فَبَقِيَ3 الِاعْتِرَافُ بِامْتِنَاعِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ؛ فَمَسْأَلَتُنَا مِنْ قَبِيلِ4 هَذَا الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ خِطَابَ التَّكْلِيفِ فِي وُرُودِهِ مُجْمَلًا غَيْرَ مُفَسَّرٍ، إِمَّا أَنْ يُقْصَدَ التَّكْلِيفُ بِهِ مَعَ عَدَمِ بَيَانِهِ، أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ؛ فَذَلِكَ مَا أَرَدْنَا، وَإِنْ قُصِدَ؛ رَجَعَ إِلَى تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ، وَجَرَتْ دَلَائِلُ الْأُصُولِيِّينَ هُنَا فِي الْمَسْأَلَةِ.

وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ -أَعْنِي5: الثَّانِيَ والثالث- إن جاء في القرآن مجمل؛ فلا بد مِنْ خُرُوجِ مَعْنَاهُ عَنْ تَعَلُّقِ التَّكْلِيفِ بِهِ، وَكَذَلِكَ مَا جَاءَ مِنْهُ فِي الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ، وهو المطلوب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015