الموافقات (صفحة 1903)

وَصَارَ مَظِنَّةً لِلِاتِّبَاعِ عَلَى تَأْوِيلِ ذَلِكَ الْمُجَادِلِ، وَلِذَلِكَ كَانَ الْخَوَارِجُ فِتْنَةً عَلَى الْأُمَّةِ؛ إِلَّا مَنْ ثَبَّتَ اللَّهُ لِأَنَّهُمْ جَادَلُوا بِهِ عَلَى مُقْتَضَى آرَائِهِمُ الْفَاسِدَةِ، وَوَثَّقُوا تَأْوِيلَاتِهِمْ بِمُوَافَقَةِ الْعَقْلِ1 لَهَا؛ فَصَارُوا فِتْنَةً عَلَى النَّاسِ، وَكَذَلِكَ الْأَئِمَّةُ الْمُضِلُّونَ؛ لِأَنَّهُمْ -بِمَا مَلَكُوا2 مِنَ السَّلْطَنَةِ عَلَى الخلق- قدروا3 عَلَى رَدِّ الْحَقِّ بَاطِلًا وَالْبَاطِلِ حَقًّا، وَأَمَاتُوا سُنَّةَ اللَّهِ وَأَحْيَوْا سُنَنَ الشَّيْطَانِ، وَأَمَّا الدُّنْيَا؛ فَمَعْلُومٌ فِتْنَتُهَا لِلْخَلْقِ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَفْعَالَ أَقْوَى فِي التَّأَسِّي وَالْبَيَانِ إِذَا جَامَعَتِ الْأَقْوَالَ مِنِ انْفِرَادِ الْأَقْوَالِ، فَاعْتِبَارُهَا فِي نَفْسِهَا لِمَنْ قَامَ فِي مَقَامِ الِاقْتِدَاءِ أَكِيدٌ لَازِمٌ4، بَلْ يُقَالُ: إِذَا اعْتُبِرَ هَذَا الْمَعْنَى فِي كُلِّ مَنْ هُوَ فِي مَظِنَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَمَنْزِلَةِ التَّبْيِينِ؛ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ تَفَقُّدُ جَمِيعِ أَقْوَالِهِ وَأَعْمَالِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ مَا هُوَ وَاجِبٌ وَمَا هُوَ مَنْدُوبٌ أَوْ مُبَاحٌ أَوْ مَكْرُوهٌ أَوْ مَمْنُوعٌ؛ فَإِنَّ لَهُ فِي أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ اعْتِبَارَيْنِ5:

أَحَدُهُمَا: مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ وَاحِدٌ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ فَمِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ يَتَفَصَّلُ الْأَمْرُ فِي حَقِّهِ إِلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ.

وَالثَّانِي: مِنْ حَيْثُ صَارَ فِعْلُهُ وَقَوْلُهُ وَأَحْوَالُهُ بَيَانًا وَتَقْرِيرًا لِمَا شَرَعَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- إِذَا انْتَصَبَ فِي هَذَا الْمَقَامِ؛ فَالْأَقْوَالُ كُلُّهَا وَالْأَفْعَالُ فِي حَقِّهِ إِمَّا وَاجِبٌ وَإِمَّا مُحَرَّمٌ، وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ مُبَيِّنٌ، وَالْبَيَانُ وَاجِبٌ لَا غير، فإذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015