الموافقات (صفحة 1898)

وَلِذَلِكَ كَانَ الْأَنْبِيَاءُ -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- فِي الرُّتْبَةِ الْقُصْوَى مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، وَكَانَ الْمُتَّبِعُونَ لَهُمْ أَشَدُّ اتِّبَاعًا، وَأَجْرَى عَلَى طَرِيقِ التَّصْدِيقِ بِمَا يَقُولُونَ، مَعَ1 مَا أَيَّدَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَالْبَرَاهِينِ الْقَاطِعَةِ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ شَوَاهِدَ الْعَادَاتِ تُصَدِّقُ الْأَمْرَ أَوْ تُكَذِّبُهُ؛ فَالطَّبِيبُ2 إِذَا أَخْبَرَكَ بِأَنَّ هَذَا الْمُتَنَاوَلَ سُمٌّ فَلَا تَقْرَبْهُ، ثُمَّ أَخَذَ فِي تَنَاوُلِهِ دُونَكَ، أَوْ أَمَرَكَ بِأَكْلِ طَعَامٍ أَوْ دَوَاءٍ لِعِلَّةٍ بِكَ وَمِثْلُهَا بِهِ، ثُمَّ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ مَعَ احْتِيَاجِهِ إِلَيْهِ؛ دَلَّ هَذَا كُلُّهُ عَلَى خَلَلٍ فِي الْإِخْبَارِ، أَوْ فِي فَهْمِ الْخَبَرِ؛ فَلَمْ تَطْمَئِنَّ النَّفْسُ إِلَى قَبُولِ قَوْلِهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} الْآيَةَ [الْبَقَرَةِ: 44] .

وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} الْآيَةَ [الصَّفِّ: 2] .

وَيَخْدِمُ هَذَا الْمَعْنَى الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ وَصِدْقُ الْوَعْدِ؛ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الْأَحْزَابِ: 23] .

وَقَالَ فِي ضِدِّهِ: {لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ ... } إِلَى قَوْلِهِ: {وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُون} [التَّوْبَةِ: 75-77] .

فَاعْتُبِرَ فِي الصِّدْقِ كَمَا تَرَى مُطَابَقَةُ الْفِعْلِ الْقَوْلَ، وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الصِّدْقِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ؛ فَهَكَذَا إِذَا أَخْبَرَ الْعَالِمُ بِأَنَّ هَذَا وَاجِبٌ أَوْ مُحَرَّمٌ؛ فإنما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015