الموافقات (صفحة 1883)

وَغَيْرِهِ، وَبَيَّنَتْ بِالتَّكْرَارِ أَنَّ "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ" 1؛ فَأَبَى أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ تَخْصِيصِهِ، وَحَمَلُوهُ2 عَلَى عُمُومِهِ، وَأَنَّ "مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً [أَوْ سَيِّئَةً] ؛ كَانَ [لَهُ] مِمَّنِ اقْتَدَى بِهِ حَظٌّ إِنْ حَسَنًا وَإِنْ سَيِّئًا"3 وَأَنَّ "مَنْ مَاتَ مُسْلِمًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ كَافِرًا دَخَلَ النَّارَ"4.

وَعَلَى الْجُمْلَةِ؛ فَكُلُّ أَصْلٍ تَكَرَّرَ تَقْرِيرُهُ وَتَأَكَّدَ أَمْرُهُ وَفُهِمَ ذَلِكَ مِنْ مَجَارِي الْكَلَامِ فَهُوَ مَأْخُوذٌ عَلَى حَسَبِ عُمُومِهِ وَأَكْثَرُ الْأُصُولِ5 تَكْرَارًا الْأُصُولُ الْمَكِّيَّةُ؛ كَالْأَمْرِ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ، وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَالنَّهْيِ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَالْبَغْيِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ.

فَأَمَّا إِنْ لَمْ يَكُنِ الْعُمُومُ مُكَرَّرًا وَلَا مُؤَكَّدًا وَلَا مُنْتَشِرًا فِي أبواب الفقه؛ فالتمسك بمجرده فيه نظر؛ فلا بد مِنَ الْبَحْثِ عَمَّا يُعَارِضُهُ أَوْ يُخَصِّصُهُ؛ وَإِنَّمَا حَصَلَتِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الصِّنْفَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا حَصَلَ فِيهِ التَّكْرَارُ وَالتَّأْكِيدُ وَالِانْتِشَارُ صَارَ ظَاهِرُهُ بِاحْتِفَافِ الْقَرَائِنِ بِهِ إِلَى مَنْزِلَةِ النَّصِّ الْقَاطِعِ الَّذِي لَا احْتِمَالَ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ مُعَرَّضٌ لِاحْتِمَالَاتٍ؛ فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ فِي الْقَطْعِ بِمُقْتَضَاهُ حَتَّى يُعْرَضَ عَلَى غَيْرِهِ وَيُبْحَثَ عن وجود معارض فيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015