وَسَائِرُ مَا فِي هَذَا الْمَعْنَى؛ فَأَثْبَتَ لَهُمُ الْمَعَاصِيَ وَالْمُخَالَفَاتِ مَعَ الْعِلْمِ، فَلَوْ كَانَ الْعِلْمُ صَادًّا عَنْ ذَلِكَ؛ لَمْ يَقَعْ.
وَالثَّانِي: مَا جَاءَ مِنْ ذَمِّ الْعُلَمَاءِ السُّوءِ، وَهُوَ كَثِيرٌ، وَمِنْ أَشَدِّ مَا فِيهِ قَوْلُهُ, عَلَيْهِ السَّلَامُ: "إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمٌ لَمْ يَنْفَعْهُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ"1.
وَفِي الْقُرْآنِ: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ} [الْبَقَرَةِ: 44] .
وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} الْآيَةَ [الْبَقَرَةِ: 159] .
وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} الْآيَةَ [الْبَقَرَةِ: 174] .
وَحَدِيثُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ هُمْ أَوَّلُ مَنْ تُسعر بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ2، وَالْأَدِلَّةُ فِيهِ كَثِيرَةٌ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ غيرُ مَعْصُومِينَ بِعِلْمِهِمْ، وَلَا هُوَ مِمَّا يَمْنَعُهُمْ عَنْ إِتْيَانِ الذُّنُوبِ؛ فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّ الْعَلَمَ مَانِعٌ مِنَ الْعِصْيَانِ؟!
فَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: أَنَّ الرُّسُوخَ فِي العلم يأبى أَنْ يُخَالِفَهُ بِالْأَدِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَبِدَلِيلِ التَّجْرِبَةِ الْعَادِيَّةِ؛ لِأَنَّ مَا صَارَ كَالْوَصْفِ الثَّابِتِ لَا يَتَصَرَّفُ صَاحِبُهُ إِلَّا عَلَى وَفْقِهِ اعْتِيَادًا3، فَإِنْ تَخَلَّفَ؛ فعلى أحد ثلاثة