فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ مَعَ مَعْرِفَتِهِمْ بِمَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ وَكَوْنِهِمْ عَرَبًا قَدْ أَخَذُوا بِعُمُومِ اللَّفْظِ وَإِنْ كَانَ سِيَاقُ الِاسْتِعْمَالِ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَهُمْ فِي اللَّفْظِ1 عُمُومُهُ بِحَسَبِ اللَّفْظِ الْإِفْرَادِيِّ وَإِنْ عَارَضَهُ السِّيَاقُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ عِنْدَهُمْ صَارَ مَا يُبَيِّنُ لَهُمْ خُصُوصَهُ كَالْأَمْثِلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِمَّا2 خُصَّ بِالْمُنْفَصِلِ، لَا مِمَّا وُضِعَ فِي الِاسْتِعْمَالِ عَلَى الْعُمُومِ الْمُدَّعَى.
وَلِهَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ كَلَامِهِمْ أَمْثِلَةٌ، مِنْهَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَتَّخِذُ الْخَشِنَ مِنَ الطَّعَامِ، كَمَا كَانَ يَلْبَسُ الْمُرَقَّعَ فِي خِلَافَتِهِ؛ فَقِيلَ لَهُ: لَوِ اتَّخَذْتَ طَعَامًا أَلْيَنَ مِنْ هَذَا. فَقَالَ: أَخْشَى أَنْ تُعَجَّلَ طَيِّبَاتِي، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} 3 [الْأَحْقَافِ: 20] الْحَدِيثَ.
وَجَاءَ أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ وَقَدْ رَأَى بَعْضَهُمْ قَدْ تَوَسَّعَ فِي الْإِنْفَاقِ شَيْئًا: "أَيْنَ تَذْهَبُ بِكُمْ هَذِهِ الْآيَةُ: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} 4 الآية